مبارزة صفين (نار صادفها إعصار):
حدث للأشتر في صفين موقفاً أشبه ما يكون بموقف علي يوم الخندق، فقد خرج فارس من جند الشام لم ير الناس مثله، فنُصِحَ الأشترُ أن لا يخرج وأشفقوا عليه، قال الراوي: (فخرج علينا رجل لقلَّ والله ما رأيت رجلاً قط هو أطول ولا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه إنسان وخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين وضربه الأشتر فقتله وأيم الله لقد كنا أشفقنا عليه وسألنا أن لا يخرج إليه، وقال بعض من شاهد هذه المبارزة (كان هذا ناراً فصادفت إعصاراً).
رجل المهام الصعبة:
في إحدى جولات صفين انهزمت ميمنة جيش الإمام فإذا بالإمام ينطلق مسرعاً ليرد الناس فدعا مالك فقال له مالك لبيك يا أمير المؤمنين، فقال له الإمام: (إئتِ هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم) فانطلق الأشتر كالليث الهصور فأخبر الناس بمقالة الإمام ووعظهم موعظة بليغة بعد أن نادى فيهم: (أيها الناس أنا الأشتر إلي أيها الناس) فاجتمعت حوله جماعة فوعظهم بكلام يخرج من شخص خبير بالنفوس يعلم كيف يعالج الخوف داخل هذا الإنسان، ثم جمع الأشتر قبيلته (مذحج) وعاد بهم نحو المقدمة وفي طريقه لقي قبيلة همدان وتعاهدوا على (ألا نرجع أبداً حتى نظهر أو نهلك) ثم زحف الأشتر ومن معه نحو الميمنة وثاب إليه الناس فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ولا لجمع إلا حازه وفي يده سيف يماني إذا طأطأه خلت فيه ماءً منصباً، وإذا رفعه كاد يغشى البصر شعاعه، واسمه (اللج) ولما عادت الميمنة إليه وعظهم الأشتر وعلمهم من فنون القتال بكلام نابع من منبع باب مدينة العلم علي عليه السلام.
ليلة الهرير:
رتب الأشتر الصفوف والرايات وجاء أمر الإمام لجميع الكتائب بالتحرك نحو العدو، قال الراوي: فزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت، ثم مشى القوم بعضهم إلى بعضٍ بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولاً في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضاً، والأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها.
قال فأجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل يفعل ذلك الأشتر بالناس حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة (الهرير) وقد كان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي عليه السلام في القلب والناس يقتتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى والأشتر يحرض الناس على القتال، ثم دعا بفرسه وركز رايته وخرج يسير في الكتائب ويقول: (ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله) ثم قال الأشتر: (شدوا فدى لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين فإذا شددت فشدوا) ثم ناول أحد أصحابه رايته وتقدم حتى انتهى إلى صفوف أهل العمائم حول معاوية، وكانت خمسة صفوف؛ فقاتل هو ومن معه قتالاً شديداً حتى قتل صاحب رايته فجعل الإمام علي يمده بالرجال عندما رأى الظفر يأتي من جهة الأشتر.