📝 مطلب پنجاهم باب السما اعلم أنّ الله تعالى قد أعطاه من السماوات خصائص خاصة ، فجعلها مصعداً لجسد الحسين (عليه السّلام) يوم قتله ، وجعلها باكية عليه بالدم والتراب الأحمر والحمر . ثمّ إنّه أعطى كربلاء من الخصائص الظاهرية والمعنوية خصائص أفضل ممّا أعطى السّماء . ثمّ إنّ للحسين (عليه السّلام) ـ على وفق ما أعطى السماوات السبع وما فوقهنّ ـ أفضلها ، فلاحظ الصفات المعنوية تارة ، وانظر إلى ما فيه من الموجودات الظاهرية الأُخرى ، واستمع لما يُتلى عليك . ولاحظ التطبيق عند بيان كلّ واحدة ، فلنتكلّم أوّلاً عن الصفات المعنوية للسماء . فنقول : السماء معدن الفيوض الربّانية ، والحسين (عليه السّلام) معدنها ، بنحو أسهل حصولاً ، وأيسر أسباباً ، وأعظم تأثيراً . السماء محلّ صعود الدعاء واستجابته ، والحسين (عليه السّلام) اسمه محلّ استجابة الدعاء ، كما تحقّق ذلك في دعاء آدم النبي وزكريا ويوسف وغيرهم من الأنبياء (عليهم السّلام) بتوسّلهم إلى الله تعالى بالخمسة أصحاب الكساء . السماء يصل إليها صراخ المظلوم ، وكربلاء قد ارتفع منها صراخ المظلومين بنحو خاصّ لا مثيل له . السماء يصل إليها أنين الأيتام ، خصوصاً إذا بكوا ، بل خصوصاً إذا كان بكاءهم ليلاً ، فيهتز لهم العرش ، وكربلاء ارتفع منها أنين أيتامٍ قد اختصّوا بكيفية خاصّة بهم . السماء فيها البُراق أوصلت راكبها المبارك (صلّى الله عليه وآله) إلى قاب قوسين ، وكربلاء فيها ذو الجناحين ، فرس الإمام الحسين (عليه السّلام) أوصل راكبه المبارك الحسين (عليه السّلام) إلى مرتبة : أنا من حسين ، لكن بسقوطه عنه . السماء معراج الأنبياء (عليهم السّلام) ، وكربلاء معراج الملائكة وأرواح الأنبياء والأولياء (صلوات الله عليهم) . السماء فيها أوضاع مؤثرة في الهواء والأرض ، وكربلاء فيها أوضاع أثّرت في السماء والعرش والكون ، بل وجميع المخلوقات بأسرها إلى يوم القيامة . السماء فيها زجل ، أي الصوت الرفيع العالي . زجل التسبيح والتهليل ، والتكبير والتحميد ، وأصناف من القائمين والراكعين ، والساجدين والقانتين ، وكربلاء قد علا فيها زجل الضجيج والعويل ، والأنين والاستغاثة من : يا أباه ! ويا أخاه ! ويا ولداه ! ووا أباه ! ووا أخاه ! ووا سيداه ! ويا سيداه ! ووا عمّاه ! ... وهي أحبّ إلى الله تعالى في عالم العبودية والتسليم من زجل الملائكة بالتسبيح . السماء قد سجدت فيها الملائكة كلّها لآدم (عليه السّلام) ، وكربلاء قد صلّت فيها جميع الملائكة والأنبياء على جسد الحسين المقطّع إرباً إرباً ، المرضوض قبل الموت وبعده ، المضمّخ بدمائه الزاكيات . السماء قد وصفها الله تعالى بالسقف المحفوظ ، والحسيـن (عليه السّلام) قد جعله تعالى سقفاً حافظاً لمَنْ لاذ به . السماء قد وصفها الله بالسقف المرفوع ، والحسين المظلوم (عليه السّلام) قد جعله الله تعالى رافعاً لدرجات مَنْ توسّل به (عليه السّلام) . السماء قال الله تعالى عنها : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ) ، والحسين (عليه السّلام) قد أنزل الله تعالى به ذلك الماء الطهور إذ به (عليه السّلام) ينزل الغيب ، وقد نزل به أيضاً الغيث عند الاستسقاء فسقى ممّا خلق أنعاماً وزروعاً وأناسي كثيراً ، فقد خصّه بأن أنزل به طهور جميع الأرجاس والبليات المعنوية يذهب به رجز الشيطان ، وبذلك الماء يُطفئ النيران ، وذلك الماء بعينه يكون من مياه الجنان كما ذكرناه وسنذكره . السماء : قال تعالى بحقّها : ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ) ، فرزق الحياة الزائلة في السماء . والحسين (عليه السّلام) فيه رزق الحياة الدنيا والبرزخ ، بل والآخرة الدائمة ، وما توعدون به من الفوز بالجنان ورفع الدرجات والرضوان والخلود بالنعيم . ثمّ لنتكلم ثانياً في الحياة الظاهرة ، فنقول : قوله تعالى : ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ) . ونقول : أفلم ينظروا إلى الحبيب الحسين (عليه السّلام) في أرض كربلاء كيف كان موقفه ومشهده ، ومصابيحه حوله ممّن كان معه ؛ سواء الأنصار ، أو أهل بيته ، أو عياله ونسائه ، وكيف كان رجومه للشياطين ، ونوره وضياؤه ؟! فارجع البصر ثمّ ارجع البصر كرتين إلى حالة ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ، ودمعه غزير ، انظر إلى الحسين (عليه السّلام) ، وانظر أولاً إلى السماء في أوضاعها وزينتها وتأثيراتها ومَنْ حلّ فيها ، ثمّ انظر إلى الحسين (عليه السّلام) ومدفنه كربلاء . ففي السماء عرش عظيم ، وفي كربلاء زينة العرش العظيم . السماء مسكن الملائكة ، والحسين (عليه السّلام) مختلف الملائكة . السماء معراج الأنبياء (عليهم السّلام) ، وكربلاء معراج الملائكة .