ويدل على ذلك ايضا ، قوله للفرزدق : وقد قاله له وهو خارج عن مكة داخل الحرم ، بأبي انت وامي يابن رسول الله (ص) ما اعجَلك عن الحج ، فقال (ع) : لو لم اعجل لاُخذت . وقوله لابي هرة الازدي في الثعلبية : وقد قال له : ما الذي اخرجك عن حرم الله وحرم جدك المصطفى (ص) ؟ فقال (ع) " ويحك يا ابا هرة ، ان بني امية اخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت " طبعا هنا هرب ليفتدي بنفسه وما يملك فقط لإبقاء دين الله تعالى ويدل على ذلك قوله ايضا لعمرو بن لوذان وهو شيخ من بني عكرمة رآه ببطن العقبة ، قال له : يا بن رسول الله اين تريد ؟ قال (ع) : الكوفة " فقال انشدك الله تعالى لما انصرفت ، فو الله لا تقدم الا على حد السيوف والأسنة ، وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الاشياء ، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا . فقال (ع) " يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ، ولكن الله تعالى لا يُغلب على امره ." ثم قال (ع) " والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي . " فانظروا الى قوله (ع) : ولكن الله ، فإنه بيان للتكليف الواقعي الذي تقدم ذكره ، وقوله والله لا يدعونني ، بيان للاضطرار وانه لا يفيد الرجوع ولا الفرار ، وفي تعبيره عن قلبه بالعلقة ، اشارة الى شدة مصيبته ، وانقلاب قلبه دما في تلك الحالة مع كونه اولى بالامر ، ثم اقول انه لو بايعهم لقتلوه ايضا ، كما يدل عليه كلام ابن زياد حيث قال : ينزل على حكمي وحكم يزيد ، يعني يجعل نفسه محكومة لنا فلربما قتلناه او خليناه . وقول الشمر : فليبايع ثم نرى رأينا فيه، بأبي المستضعف الغريب الوحيد الذي ارادوا ان يقر لهم اقرار العبيد . ومن جملة كلام له عليه السلام يوم عاشوراء : والله لا اقر لكم اقرار العبيد ولا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل . بأبي انت وامي يا أبا عبدالله ، نعم والله قتلُك في ميدان الحرب والضرب ، انبل من الاقرار لهم ، وقد قلت انت : " ان مصارعة الكرام احسن من مضارعة اللئام " ولو كنت ترضى بذلك تقية ، وتكليفا ظاهريا فكنت تقر لهم ما خلوك وما تركوك ، حتى يجمعوا لك بين الذلة والقتلة . ولذا قلت صلوات الله تعالى عليك بنفسي أنت : " القتلة ولا الذلة ، والمنية ولا الدنيّة " .. آه بأبي انت وامي اعززت نفسك واحييت نفسك واحييت العباد بتحملك هذا التكليف .