9️⃣ و إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ 51 ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 52.
«موسى» معرّب عن «موشة» عبرانية، كلمة مركبة تعني «ماء- شجر» حيث اخذه آل فرعون عن التابوت الذي ألقته أمه في اليم فوقف في الماء بين الشجر أمام القصر الفرعوني، ففيه تلميحة طريفة إلى المعجزة الربانية في إنجاء موسى بيد عدوه الذي قتل- بغية الحصول عليه و قتله- نيفا و عشرين ألفا من أبناء بني إسرائيل!.
يأتي ذكر «موسى» 136 مرة في القرآن في 35 سورة، من البقرة الى الأعلى، مما يدل على مدى مراسه في الدعوة و اكتراسه لها و مجابهاته وجاه عدوّه و بني إسرائيل الذين آذوه، أكثر من كافة المرسلين اللهم إلّا خاتم المرسلين «1».
و هل كانت هذه المواعدة مرة هي أربعين كما هو اللائح هنا، او مرتين أولاها ثلاثين ثم العشر المتمم للأربعين، مواعدتين تلو بعض، فهما مع بعض مواعدة واحدة كاملة كما يعرف من الأعراف: «وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ..»؟ (7: 139) و للأربعين مواقف مجيدة في مختلف الحقول، في الحق ان آيتي المواعدة تتجاوبان في تمام المواعدة، و أن ثلاثين الأولى لا تستقل عن الأربعين، حيث العشر مكملة لها، و إن كانت كأنها هي البداية «وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ ..» فإنها ثلاثون في صيغة التعبير امتحانا لبني إسرائيل- لابداء للّه في التكميل- «1» حتى إذا تأخر موسى لحد الأربعين أهم باقون على إيمان أم هم مكذبون موسى و مكذبون اللّه كما فعلوا و التفصيل إلى الأعراف و طه.
و هذه المواعدة- هنا- نعمة ثالثة بإنزال التوراة على موسى و بمشهد من منتخبيهم جانب الطور الأيمن: «يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ..» (20: 80) مواعدة لهم ضمن ما لموسى (عليه السلام).
و لكنهم و هم بين نعمتين: الإنجاء من آل فرعون، و إنزال التوراة «اتَّخَذُوا الْعِجْلَ» الذي صنعه السامري فعبدوه: «ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ»: بعد موسى حيث غاب عنهم الى ميقات ربه و لما يتم او يرجع «وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ»: أنفسكم «إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ».
(الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن و السنه، ج1، ص: 415)
0️⃣1️⃣هذه هي الحادثة الثالثة التي واجه اللّه بها بني إسرائيل في مجال تعداد ممارساتهم السيئة أمام نعمه عليهم، فقد أراد لهم أن يبدءوا حياة جديدة في ظل شريعة شاملة تنظم لهم حياتهم، و ترعى لهم شؤونهم و علاقاتهم، و تفتح لهم أبواب الحياة الواسعة على أساس من الحكمة و المصلحة. و في هذا الجو، استدعى اللّه موسى لميقاته لينزل عليه التوراة في مدى أربعين ليلة؛ و هنا كانت المفارقة- المفاجأة، فلم يكد موسى يغيب عنهم حتى نسوا الرسالة و الرسول، و نسوا اللّه سبحانه، فعبدوا العجل في قصة طويلة سيذكرها القرآن أكثر من مرة، و لم ينفتحوا على الآفاق الواسعة التي أراد اللّه لهم أن ينفتحوا عليها، لينطلقوا إلى العالم كحملة للرسالة الشاملة، فيكون لهم المركز الكبير في ظل هذه الرسالة.
و لكن اللّه لم يعاملهم بظلمهم، بل عفا عنهم ليفسح لهم المجال للتراجع و لتصحيح الفكر و المسيرة، ليهيئ لهم الجو الروحي و النفسي الذي يعينهم على الرجوع إليه و الشكر له على نعمائه من ناحية عملية.
وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ليتلقى الوحي الإلهي الذي فيه الهدى للناس في كل قضاياهم العامة، في مسئولياتهم اتجاه أنفسهم، و اتجاه الناس من
من وحى القرآن، ج2، ص: 41
حولهم، و اتجاه الحياة المحيطة بهم، بالإضافة إلى مسئوليتهم في عبادة اللّه.
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ، فرجعتم إلى السلوك الوثني الذي يعود إلى تاريخكم المنحرف في حياتكم مع فرعون، مما يوحي بأنكم لم تنفتحوا على الرسالة الإلهية التوحيدية من موقع العمق الفكري و الروحي و الاستقامة العملية، وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ لأنفسكم من خلال النتائج السلبية للوثنية الجديدة في الدنيا و الآخرة. ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لتعودوا إلى الخط المستقيم و اليقظة الروحية في حركة التوبة النفسية و الإخلاص العملي، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللّه على هذه النعمة التي فتحت لكم الفرصة الجديدة للعودة إلى التوازن في طاعة اللّه و مرضاته.
و إذا كان الخطاب موجها لليهود المعاصرين للنبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين لم يعبدوا العجل، فذلك لاعتبارهم امتدادا لأولئك كفريق واحد يمتد في الحاضر من خلال امتدادات التاريخ، مما يجعل الخصائص التاريخية لأسلافهم بمثابة الخصائص الذاتية لهم.
(من وحى القرآن، ج2، ص: 30)
#سوره_بقره_آیه_51
🌐 موسسه مطالعات راهبردی مسریٰ
https://eitaa.com/flastiin