تقريظ الدكتور حامد حنفي داود أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن في القاهرة: منذ أكثر من عشرين عاما استرعى التفاتي ـ وأنا أبحث في تاريخ التشريع الإسلامي والعلوم الدينية ـ الإمام جعفر الصادق سليل البيت النبوي الكريم، وما كان له من شخصية عظيمة في الفقه الإسلامي ومنزلة لا تجارى في عالم الفكر العربي، وفي الجانب الروحي بصفة خاصة. فوضعت في ذلك الوقت بحثا تناولت فيه جوانب من سيرته وعلمه ومنهجه الفكري والفقهي، واستغرق ذلك مني قرابة ثمانين صفحة. ثم عرضت الفكرة على استاذنا المرحوم عبد الوهاب عزام ـ وهو من النفر القليل المشهود لهم، في نظري، بالقدرة على الجمع بين أخلاق القدماء ومناهج المحدثين ـ ولكن الاستاذ الوقور لم يكد يسمع بعنوان البحث حتى علت وجهه السمح بسمة خفيفة، فهمت منها كل شيء… فهمت أن هذه الشخصية ـ على الرغم مما تحتله من مكانة عظيمة ـ هي مما يهم علماء الشيعة أكثر مما يعني علماء السنة، ولو كان ذلك البحث في مجال الجامعة التي يجب أن تكون أرحب صدرا مما تدعو إليه الطائفية المذهبية من تخصص، أو تفرضه البيئة من مخططات محدودة ضيقة في مجال الفكر. ولكن يأبى الله سبحانه إلا أن يظل الحق حقا وهكذا بعد عشرين عاما قضت إثر انقطاعي عن الكتابة حول هذه الشخصية الفذة، تخللتها ألوان من التخبط المنهجي، كان هذا الفتح الجديد في دراسة الإمام منذ عشرة أعوام حين خرج إلينا الباحث الأديب والعالم العراقي الحصيف الاستاذ أسد حيدر بالجزء الأول من كتابه الإمام الصادق والمذاهب الأربعة. والذي تم نشره على ما يبدو من مقدمة الطبعة الأولى سنة (1375 هـ ـ 1956م). فكان هذا الكتاب الجامع إيذانا بإنهاء مرحلة التخبط حول سيرة الإمام الصادق، كما كان نقطة الانطلاق التي عرفنا من ورائها الكثير عن تاريخ المذهب الجعفري، وما بينه وبين المذاهب الفقهية الأربعة من صلات وروابط يجهلها الكثيرون من علماء هذه الامة على الرغم مما حصلوه من ثقافات تاريخية وفقهية وفلسفية. وأول ما يسترعي التفاتنا من هذا السفر الضخم شموله وسعة آفاقه واستيعابه أكثر جوانب هذه الشخصية العظيمة، ولعل ذلك راجع إلى سعة اطلاع المؤلف فلا يكاد يرى رأيا لصاحب رأي حول شخصية الإمام إلا وأتى به، ولا قضية تتصل بالموضوع من قريب أو بعيد إلا وساقها وناقشها في أسلوب أدبي أقرب ما يكون إلى الموضوعية والنهج الفني، وأبعد ما يكون عن التحيز المسف والتعصب الأعمى. ولا احب أن أطيل في التعليق على هذا الكتاب القيم الذي أعتبره دائرة معارف عامة وموسوعة قيمة في تاريخ المذهب الجعفري والمذاهب الفقهية لا غنى للباحثين عنه. وأوثر في ختام هذه الكلمة أن أنوه بما كتبه المؤلف عن محمد بن إسماعيل البخاري وكتابه في الحديث. وقد لاحظت في تعليق المؤلف على البخاري جانبين: جانب موضوعي وهو الذي تناول فيه المؤلف الأحاديث الموجودة في هذا الصحيح، كما تناول أسانيدها ورجالها، وجانب اجتهادي تحدث فيه المؤلف عن انصراف البخاري عن الأحاديث التي تروى في فضائل بيت النبوة 🆔 @gharibreza1