مدفوع بأنّ للإمام الإذن للأهل و القابل، فالجواز للمجتهد أيضا يكون مقصورا على من له الأهليّة، و هي لغير المجتهد غير ثابتة، و من ثبتت له لا يحتاج إلى النائب، لثبوت الإذن له عن المنوب عنه. نعم، لا يبعد جواز حكم مقلّد عادل عالم بجميع أحكام الواقعة‌ الخاصّة فعلا، أو بعد السؤال في تلك الواقعة الخاصّة، بعد إذن المجتهد له في خصوص تلك الواقعة، بعد رجوع المدّعي أو المتخاصمين فيها إلى المجتهد، لأنّ التحاكم و الترافع و الرجوع في الواقعة إنّما وقع عند المجتهد- كما هو المأمور به في المقبولة و التوقيع- و المجتهد أمر بأن يفتش مقلّده عن حقيقة الواقعة و يحكم. و التحذير الوارد في رواية مصباح الشريعة إنّما هو لقاض خاص، فلعلّه لم يكن مأذونا من أهل في خصوص الواقعة، كما هو الظاهر. و كذا لا يشمله التحذير الوارد في رواية إسحاق بن عمّار و صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمتين، لأنّ الظاهر ورودهما في حقّ من اتّخذ ذلك منصبا، لا من يحكم في خصوص واقعة، بل يمكن أن نقول: الحكم حقيقة من المجتهد، و الواسطة كالآلة. و الحاصل: أنّ هنا أمورا أربعة مخالفة للأصل: الأول: التحاكم و الترافع و الرجوع من المتخاصمين بنفسهما. الثاني: جواز حكم هذا المقلّد بما يعلم. الثالث: نفوذ حكمه و وجوب اتّباعه. الرابع: جواز أمر المجتهد هذا المقلّد بالحكم و بترافع المترافعين إليه. و الأول: لم يقع بالنسبة إلى المقلّد، لأنّهما بنفسهما لم يرجعا إليه، و إنّما ترافعا عند المجتهد كما هو المأمور به لهما. و الثاني: لا نهي فيه، بل صرّح بجوازه- بل ترتّب الأجر عليه- في مرفوعة البرقي المتقدّمة و رواية الغوالي. و الثالث: يثبت بثبوت وجوب اتّباع كلّ ما حكم به المجتهد بعد الترافع إليه، فإنّه قد حكم بقبول حكم هذا المقلّد، فهو حقيقة نفوذ لحكم‌ المجتهد و اتّباع له. و تدلّ عليه أيضا رواية الغوالي، بل هي تدلّ على نفوذ الحكم و جواز المحاكمة عنده بدون إذن المجتهد أيضا، إلّا أنّها لضعفها الخالي عن الجابر المعلوم- مضافا إلى أعمّيتها من المقبولة و التوقيع- يمنع من العمل بمضمونها وحدها. و الرابع: ظاهر بعد ثبوت جواز حكمه و عدم وجود نهي فيه. و يمكن أن يكون بناء الأصحاب- في مسألة إحضار الخصم، و قولهم كما يأتي في بعض الصور: يبعث الحاكم من يحكم بين الخصمين- على ذلك. و يمكن أن يكون مرادهم: بعث مجتهد آخر، حيث إنّه لمّا ترافع الخصمان إليه يكون هو الأصل. و يمكن ان يكون مرادهم: القاضي الخاصّ، المنصوب من الإمام، المأذون في الاستنابة، فتأمّل. فرع: قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ المحرّم لغير المجتهد هو الحكم بغير ما أنزل اللّه أو بما أنزل اللّه- أي بفتوى مجتهده- بدون إذن المجتهد مع إلزامه المترافعين بما حكم، لكونه إلزاما من غير لزوم، و لكونه إعانة على معصية المترافعين. و أمّا قوله لهما- بدون إذن المجتهد بعد سماع حكايتهما، من غير قصدهما الترافع إليه، أو قصده جريان الحكم عليه-: على فلان المدّعي البيّنة مثلا، أو على هذا المنكر اليمين- يعني: أنّ القاضي يحكم بذلك إذا ترافعتما إليه، من غير حكم لهما بذلك- فلا بأس به بل و كذا لو قال: عليك البيّنة و عليك الحلف، من غير أن يقصد إلزامهما و إجراء حكمه، أو رفع تخاصمهما بذلك الحكم، أو سماع البيّنة، أو الإحلاف. بل لو قيل له: أحلف أو استمع البيّنة، يقول: ليس هذا من شأني و لا بدّ من الرّجوع إلى الحاكم، بل لو سمع البيّنة أيضا لا يقصد الحكم بل الاطلاع بالحال. فإنّه لا دليل على حرمة شي‌ء من ذلك، و الأصل عدمها، فإنّ هذا ليس حكومة و جلوسا مجلس القضاء، و لا قضاء، و لا ترافعا إليه. (مستند الشیعة، جلد ۱۷، صفحه ۲۶)