ثُمَّ إِنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ أَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنَ اَلْمَحْمِلِ وَ قَالَتْ لَهُمْ صَهْ يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ تَقْتُلُنَا رِجَالُكُمْ وَ تَبْكِينَا نِسَاؤُكُمْ فَالْحَاكِمُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ اَللَّهُ يَوْمَ فَصْلِ اَلْقَضَاءِ فَبَيْنَمَا هِيَ تُخَاطِبُهُنَّ إِذَا بِضَجَّةٍ قَدِ اِرْتَفَعَتْ فَإِذَا هُمْ أَتَوْا بِالرُّءُوسِ يَقْدُمُهُمْ رَأْسُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ رَأْسٌ زُهْرِيٌّ قَمَرِيٌّ أَشْبَهُ اَلْخَلْقِ بِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لِحْيَتُهُ كَسَوَادِ اَلسَّبَجِ قَدِ اِنْتَصَلَ مِنْهَا اَلْخِضَابُ وَ وَجْهُهُ دَارَةُ قَمَرٍ طَالِعٍ وَ اَلرُّمْحُ تَلْعَبُ بِهَا يَمِيناً وَ شِمَالاً فَالْتَفَتَتْ زَيْنَبُ فَرَأَتْ رَأْسَ أَخِيهَا فَنَطَحَتْ جَبِينَهَا بِمُقَدَّمِ اَلْمَحْمِلِ حَتَّى رَأَيْنَا اَلدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ قِنَاعِهَا وَ أَوْمَأَتْ إِلَيْهِ بخرقة [بِحُرْقَةٍ] وَ جَعَلْتْ تَقُولُ: يَا هِلاَلاً لَمَّا اِسْتَتَمَّ كَمَالاً غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَا غُرُوبَا مَا تَوَهَّمْتُ يَا شَقِيقَ فُؤَادِي كَانَ هَذَا مُقَدَّراً مَكْتُوبَا يَا أَخِي فَاطِمَ اَلصَّغِيرَةَ كَلِّمْهَا فَقَدْ كَادَ قَلَبُهَا أَنْ يَذُوبَا يَا أَخِي قَلْبُكَ اَلشَّفِيقُ عَلَيْنَا مَا لَهُ قَدْ قَسَى وَ صَارَ صَلِيبَا يَا أَخِي لَوْ تَرَى عَلِيّاً لَدَى اَلْأَسْرِ مَعَ اَلْيُتْمِ لاَ يُطِيقُ وُجُوبَا كُلَّمَا أَوْجَعُوهُ بِالضَّرْبِ نَادَاكَ بِذُلٍّ يَغِيضُ دَمْعاً سَكُوبَا يَا أَخِي ضُمَّهُ إِلَيْكَ وَ قَرِّبْهُ وَ سَكِّنْ فُؤَادَهُ اَلْمَرْعُوبَا مَا أَذَلَّ اَلْيَتِيمَ حِينَ يُنَادِي بِأَبِيهِ وَ لاَ يَرَاهُ مُجِيبَا ثُمَّ قَالَ اَلسَّيِّدُ : ثُمَّ إِنَّ اِبْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي اَلْقَصْرِ لِلنَّاسِ وَ أَذِنَ إِذْناً عَامّاً وَ جِيءَ بِرَأْسِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ اَلْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَنَكِّرَةً فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ فَقَالَتْ إِنَّمَا يَفْتَضِحُ اَلْفَاسِقُ وَ يَكْذِبُ اَلْفَاجِرُ وَ هُوَ غَيْرُنَا فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اَللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ إِلاَّ جَمِيلاً هَؤُلاَءِ قَوْمٌ كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَ سَيَجْمَعُ اَللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ فَانْظُرْ لِمَنِ اَلْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا اِبْنَ مَرْجَانَةَ قَالَ فَغَضِبَ وَ كَأَنَّهُ هَمَّ بِهَا فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ إِنَّهَا اِمْرَأَةٌ وَ اَلْمَرْأَةُ لاَ تُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ لَقَدْ شَفَى اَللَّهُ قَلْبِي مِنْ طَاغِيَتِكِ اَلْحُسَيْنِ وَ اَلْعُصَاةِ اَلْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ فَقَالَتْ لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي وَ قَطَعْتَ فَرْعِي وَ اِجْتَثَثْتَ أَصْلِي فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اِشْتَفَيْتَ فَقَالَ اِبْنُ زِيَادٍ هَذِهِ سَجَّاعَةٌ وَ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ سَجَّاعاً شَاعِراً فَقَالَتْ يَا اِبْنَ زِيَادٍ مَا لِلْمَرْأَةِ وَ اَلسَّجَّاعَةَ. و قال ابن نما : و إن لي عن السجاعة لشغلا و إني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته و يعلم أنهم منتقمون منه في آخرته وَ قَالَ اَلْمُفِيدُ رَحِمَهُ اَللَّهُ: فَوُضِعَ اَلرَّأْسُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ يَتَبَسَّمُ وَ بِيَدِهِ قَضِيبٌ يَضْرِبُ بِهِ ثَنَايَاهُ وَ كَانَ إِلَى جَانِبِهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ صَاحِبُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَلَمَّا رَآهُ يَضْرِبُ بِالْقَضِيبِ ثَنَايَاهُ قَالَ اِرْفَعْ قَضِيبَكَ عَنْ هَاتَيْنِ اَلشَّفَتَيْنِ فَوَ اَللَّهِ اَلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ رَأَيْتُ شَفَتَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَيْهِمَا مَا لاَ أُحْصِيهِ يُقَبِّلُهُمَا ثُمَّ اِنْتَحَبَ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ اِبْنُ زِيَادٍ أَبْكَى اَللَّهُ عَيْنَيْكَ أَ تَبْكِي لِفَتْحِ اَللَّهِ وَ اَللَّهِ لَوْ لاَ أَنَّكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ خرقت [خَرِفْتَ] وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ فَنَهَضَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ.