كيلا يكونوا ممّن وصفه اللّه فقال تبارك و تعالى: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ «لأنّه كان داخلا فيه بغير علم و لا يقين، فلذلك صار خروجه بغير علم و لا يقين، و قد قال العالم عليه السّلام: «من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه، و نفعه إيمانه، و من دخل فيه بغير علم خرج منه كما دخل فيه»، و قال عليه السّلام من أخذ دينه من كتاب اللّه و سنّة نبيه صلوات اللّه عليه و آله زالت الجبال قبل أن يزول و من أخذ دينه من أفواه الرجال ردّته الرجال»، و قال عليه السّلام: «من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن و لهذه العلّة انبثقت على أهل دهرنا بثوق هذه الأديان الفاسدة ، و المذاهب المستشنعة الّتي قد استوفت شرائط الكفر و الشرك كلّها، و ذلك بتوفيق اللّه تعالى و خذلانه، فمن أراد اللّه توفيقه و أن يكون إيمانه ثابتا مستقرّا، سبّب له الأسباب التي تودّية إلى أن يأخذ دينه من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلوات اللّه عليه و آله بعلم و يقين و بصيرة، فذاك أثبت في دينه من الجبال الرواسي، و من أراد اللّه خذلانه و أن يكون دينه معارا مستودعا- نعوذ باللّه منه- سبّب له أسباب الاستحسان و التقليد و التأويل من غير علم و بصيرة، فذاك في المشيئة إن شاء اللّه تبارك و تعالى أتمّ إيمانه، و إن شاء سلبه إيّاه، و لا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا و يمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا و يصبح كافرا، لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء مال معه، و كلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قبله، و قد قال العالم عليه السّلام: «إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق النبيّين على النبوّة، فلا يكونون إلّا أنبياء، و لخق الأوصياء على الوصيّة، فلا يكونون إلّا أوصياء، و أعار قوما إيمانا فإن شاء تمّمه لهم، و إن شاء سلبهم إيّاه؛ قال: و فيهم جرى قوله فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ و ذكرت أنّ أمورا قد أشكلت عليك، لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها، و أنّك تعلم أنّ اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها و أسبابها، و أنّك لا تجد بحضرتك من تذاكره و تفاوضه ممّن تثق بعلمه فيها،
و قلت: إنّك تحبّ أن يكون عندك كتاب كاف يجمع [فيه] من جميع فنون علم الدين، ما يكتفي به المتعلّم، و يرجع إليه المسترشد، و يأخذ منه من يريد علم الدين و العمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السّلام و السنن القائمة الّتي عليها العمل، و بها يؤدّي فرض اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله،
و قلت: لو كان ذلك رجوت أن يكون ذلك سببا يتدارك اللّه [تعالى] بمعونته و توفيقه إخواننا و أهل ملّتنا و يقبل بهم إلى مراشدهم
فاعلم يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء، ممّا اختلف الرّواية فيه عن العلماء عليهم السّلام برأيه، إلّا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السّلام: «اعرضوها على كتاب اللّه فما وافى كتاب اللّه عزّ و جلّ فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فردّوه» و قوله عليه السّلام: «دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم» و قوله عليه السّلام «خذوا بالمجمععليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» و نحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه و لا نجد شيئا أحوط و لا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السّلام و قبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه السّلام: «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم و قد يسّر اللّه- و له الحمد- تأليف ما سألت، و أرجو أن يكون بحيث توخّيت فمهما كان فيه من تقصير فلم تقصر نيّتنا في إهداء النصيحة، إذ كانت واجبة لإخواننا و أهل ملّتنا، مع ما رجونا أن نكون مشاركين لكلّ من اقتبس منه، و عمل بما فيه في دهرنا هذا، و في غابره إلى انقضاء الدنيا، إذ الربّ جلّ و عزّ واحد و الرسول محمّد خاتم النبيّين- صلوات اللّه و سلامه عليه و آله- واحد، و الشريعة واحدة و حلال محمّد حلال و حرامه حرام إلى يوم القيامة، و وسّعنا قليلا كتاب الحجّة و إن لم نكمّله على استحقاقه، لأنّا كرهنا أن نبخس حظوظه كلّها و أرجو أن يسهّل اللّه جلّ و عزّ إمضاء ما قدّمنا من النيّة، إن تأخّر الأجل صنّفنا كتابا أوسع و أكمل منه، نوفّيه حقوقه كلّها إن شاء اللّه تعالى و به الحول و القوّة و إليه الرغبة في الزيادة في المعونة و التوفيق. و الصلاة على سيّدنا محمّد النبيّ و آله الطاهرين الأخيار
و أوّل ما أبدأ به و أفتتح به كتابي هذا كتاب العقل، و فضائل العلم، و ارتفاع درجة أهله، و علوّ قدرهم، و نقص الجهل، و خساسة أهله، و سقوط منزلتهم، إذ كان العقل هو القطب الّذي عليه المدار و به يحتجّ و له الثواب، و عليه العقاب، و اللّه الموفّق.
https://eitaa.com/amin_asadpour