في النظرة الفلسفية للإمام، كل التعلقات البشرية بالجمال والعلم والوعي تنبع من هذا الحب للكمال. هذا الحب للكمال يخلق في الإنسان نشاطًا واستكشافًا استثنائيين، بحيث يصبح الإنسان مفتونًا ومركزًا على كل ما يظهر جماليًا. ولكن الإمام الخميني يحذر من أنه في العديد من الحالات، ما يحبه الإنسان ليس فقط لا يقوده إلى الكمال، بل يمكن أن يكون عائقًا كبيرًا أمام الوصول إلى المعشوق الحقيقي، أي الكمال المطلق؛ ذلك لأن الإنسان يخطئ في تحديد مصداق الكمال أو ما يؤدي إلى الكمال. كتاب "الأربعون حديثًا" للإمام الخميني منظم بطريقة تضم محتوى يغذي هذا الحب للكمال ويعزز الحس الجمالي نحو الكمال في الإنسان. الإنسان يشبه الطائر الذي يطير نحو نور الكمال، لكن في هذا الطريق يجب أن يتجنب فخاخ النفس والتعلقات الدنيوية المتعددة ليتمكن من الوصول إلى هدفه النهائي، وهو الكمال الحقيقي. هو يعتقد أن الحب للكمال، إذا تم توجيهه بشكل صحيح، يمكن أن يقود الإنسان نحو التعالي والتقدم الروحي. 7️⃣ السلوك والحركة نحو الله: إن حركة مكافحة النفس بهدف إيجاد الحالة التهذيبية فيها، من وجهة نظر الإمام الخميني، لا يمكن أن تتم إلا بنحو سلوكي. فمثل هذه الحركة تحتاج إلى سلوك معين، يبدأ من النفس والذات، ويتوجه للوصول إلى الله سبحانه وتعالى. هذا السلوك يتضمن مراحل تسودها الأصول ركزت عليها الأحاديث. فكل من يسعى إلى تزكية النفس يجب أن يعمل على تطوير وتعميق هذه الأصول، وإزالة العوائق النفسية من خلال تلك الأصول، ليتمكن من إخراج النفس من حالة المواجهة للموانع ويصل بها إلى الكمال. ومن هنا، تم تنظيم الأربعين حديثًا له بما يتناسب مع هذا السلوك. 8️⃣ معالجة النفس كأساس للحركة الاجتماعية والحضارية: كان الإمام الخميني يعتقد أن مكافحة النفس، إذا تم تنفيذها بدقة وبطريقة سلوكية وعلى أساس مبادئ محددة تقدمها الأحاديث، وتم دمجها مع الفطرة الميالة إلى الكمال والعاشقة له من جهة، ومع النفس التي تقودها المعرفة والهداية من جهة أخرى، فإنها ستكون حركة هذه النفس بالتأكيد ذات انعكاسات اجتماعية مهمة. وهذه الانعكاسات الاجتماعية يمكن أن تصل إلى حد التحول الحضاري. لأن جزءًا مما يتحقق في النفس يرتبط بأنواع مختلفة من المعرفة وينبثق منها، وهذه الأنواع من المعرفة تحمل تأثيرات تقضي على عوامل الظلم والفساد والانحطاط والجهل، مما يفتح الطريق أمام إمكانيات حضارية داخل المجتمع والتاريخ. ✅️ القسم الثاني: دراسة حديث من الأربعين حديثًا: عن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه، عليه السّلام، عن قول اللّه عزّ و جلّ: «فِطْرَتَ اللّه الّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها.» قال: فطرهم جميعا على التّوحيد. في تفسيره وتحليله للحديث المتعلق بالفطرة، يتبنى الإمام الخميني نهجًا شاملاً ومتعدد الأبعاد. في هذا السياق، يقدم بعض النقاط الرئيسية على النحو التالي: 1️⃣ معنى الفطرة: يقول الإمام: "اعلم أن المقصود من 'فطرة الله' التي خلق الله الناس عليها هي الحالة والهيئة التي وضع الله الخلق عليها. هذا من لوازم وجودهم ومن الأمور التي خمرت بها خميرتهم عند الخلق. الفطرة الإلهية هي من النعم الخاصة التي منحها الله للإنسان والتي قد لا توجد في الكائنات الأخرى، أو تكون موجودة بشكل ناقص." 2️⃣ وحدة الفطرة: يعتقد الإمام الخميني أن التنوع والاختلاف في الفهم والآراء لا يؤثر على صلابة وحدة الفطرة. هذا التنوع والاختلاف يحدث بعد مرحلة ثبات الفطرة. يقول في هذا السياق: "اختلاف الأفكار وضعف وقوة الإدراك لا يؤثران على الفطرة. إذا لم يكن شيء بهذه المثابة، فإنه ليس من أحكام الفطرة ويجب اعتباره خارجًا عنها. لذا، ورد في الآية الكريمة: 'فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا' أي أن هذه الأحكام لا تخص جماعة بعينها. كما جاء في الآية: 'لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ' أي لا شيء يغيرها." 3️⃣أوصاف الفطرة: من خلال كلمات الإمام حول الفطرة، يمكن استخلاص الأوصاف التالية: أ. الشمولية الوجودية: يرى الإمام الخميني أن الفطرة شاملة من حيث الوجود، حيث تشمل جميع البشر. ب. الشمولية السلوكية: يرى الإمام الخميني أن الفطرة شاملة من حيث السلوك. تعني أن سلوك الإنسان يتبع فطرته. ت. الشمولية الحقائقية: تعني أن الحقائق الأساسية التي بني الدين عليها وبينها موجودة في الفطرة. ث. المعرضية لخطر الغفلة: من الأمور المثيرة للدهشة أنه بالرغم من أن الفطرة لا يختلف عليها أحد، فإن الناس غالبًا ما يغفلون عنها ويظنون أنهم مختلفون وليسوا متحدين، إلا إذا تم تنبيههم. كما ورد في الآية الكريمة: "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ." ج. المعرضية للخطأ في التطبيق: بسبب الخطأ في تطبيق الحقائق والأصول، يبتعد الإنسان أحيانًا عن فطرته. لذا، فإن بعض المعتقدات أو السلوكيات الخاطئة لا تعني أن صاحب هذه المعتقدات أو السلوكيات الخاطئة يفقد الفطرة، بل يعود ذلك إلى تأثير عوامل معينة تجعله في حالة غفلة أو خطأ في التطبيق.