💢 المنهج الفقهي للأستاذ الشهيد مطهري
[نص الكلمة الملقاة في الندوة العلمية التي نظمتها مؤسسة الشهيد مطهري في قم بعنوان "المنهج الفقهي للأستاذ الشهيد مطهري"].
كثير من الفقهاء والمفكرين يولون اهتماماً كبيراً لقضية: كيف يمكن للشريعة أن تغطي العالم المتحول في سياق الزمن، وكيف يمكن للفقيه أن يُفعّل هذه التغطية الشرعية في منهجه الفقهي.
للمسألة مرحلتان من البحث:
الأول: ما هي الآلية التي وضعتها الشريعة لتغطية التحولات الزمنية؟
الثاني: ما هي المنهجية الفقهية لاستخدام تلك القدرات المدمجة؟
من بين هؤلاء المفكرين الشهيد مطهري، الذي تناول كيفية تغطية الشريعة للتحولات الزمنية بمظلة إيجابية، وتقديم منهجية اجتهادية لتفعيل هذه التغطية.
سنتناول فيما يلي عرضاً ودراسةً لهذه الرؤية (بكلتا المرحلتين) التي قدمها الشهيد مطهري.
المرحلة الأولى: ما هي الآلية التي وضعتها الشريعة لتغطية التحولات الزمنية؟
يُطرَح هذا السؤال لأننا نعلم أن الشريعة جاءت في وقت محدد، والزمن قد مضى في مسار التحولات إلى الأمام، وكلما ازدادت التحولات جاءت تحولات أخرى وأزالتها. إذن، كيف يمكن للشريعة التي جاءت في وقت محدد أن تواكب هذه التحولات؟ ببيان آخر، ما هي الآلية التي وضعتها الشريعة لكي تبقى وتستوعب القضايا المستجدة وتتناولها بشكل إيجابي ومجيب؟
يجيب الشهيد مطهري على هذا السؤال بأن الشريعة وضعت آلية لضمان بقائها واستمراريتها، وهذه الآلية تتمثل في القواعد الفقهية. وفقًا لرؤيته، فإن الشريعة تحتوي على عنصر ديناميكي بذاتها، وهو قواعدها الفقهية التي تسمح لها بالتكيف مع الظروف الجديدة وتقديم الحلول المناسبة للأحداث المستجدة.
ربما يتساءل البعض: لماذا يتم تخصيص هذا الاهتمام بالشهيد مطهري تحديدًا في هذا المجال، رغم أن الفقهاء بشكل عام لديهم هذا الاهتمام؟
السبب يعود إلى ميزة تفرّد الشهيد مطهري في هذا المجال، فعلى الرغم من اهتمام العديد من الفقهاء بالقواعد الفقهية، إلا أن رؤية الشهيد مطهري حول طاقات وإمكانيات القواعد تتميز بـ:
1. ديناميكية الشريعة للاستيعاب: يعتقد الشهيد مطهري أن الشريعة من خلال قواعدها تمتلك ديناميكية كامنة يجب اكتشافها وتفعيلها.
2. إزالة القيود: يرى الشهيد مطهري وجود قيود تقليدية تعيق تطبيق الديناميكية الفقهية المتجسدة في القواعد الفقهية، ويجب إزالة هذه القيود.
3. تقديم آلية منهجية قوية: يُقدّم الشهيد مطهري آليةً قويةً لفهم واستخدام ديناميكية الشريعة.
وصفوة القول أن القواعد الفقهية في نظر الفقهاء التقليديين لا تحقق المعجزات في تغطية المستجدات، لأنهم لم يمتلكوا نظرة فلسفية شاملة لهذه القواعد قبل تناولها وتطبيقها، ولم يحددوا إطارها وحدودها بدقة في مواجهة المستجدات.
بينما الشهيد مطهري قدّم رؤية جديدة حول ديناميكية الشريعة من خلال امتلاكها للقواعد الفقهية، مسلّطًا الضوء على دور هذه القواعد في مواكبة التغيرات.
المرحلة الثانية: ما هي المنهجية الفقهية لاستخدام تلك القدرات المدمجة؟
عرض الشهيد مطهري في باب استخدام المنهج عدة ضوابط منهجية حول موضوع القاعدة، يتمكن الفقيه بها من تفعيل تلك القدرة الديناميكية للشريعة.
الضابطة الأولى: التركيز على روح الموضوع:
الشهيد مطهري قال إن للأحكام الإسلامية روحًا وهدفًا لا يتغير، لذا فإننا لا نتبع الشكل والظاهر.
هذا التركيز على الروح في نظر الشهيد مطهري يتكون من ثلاث طبقات:
الأولى: بقاء روح الموضوع حتى وإن تغير الشكل والقالب وأصبح جديدًا.
الثانية: زوال الروح للموضوع حتى وإن لم يتغير الشكل والقالب.
الثالثة: تسري روح الموضوع إلى غير ما جاء في النص.
وإليك التوضيح:
الطبقة الأولى: نرى روح الموضوع باقية رغم تغير الأشكال. بمعنى أن الكيان الذي قدمته الشريعة يظل قائماً بناءً على فهمنا لروحه، فحتى مع تبدل الأشكال، تظل الروح ثابتة. والامثلة التي ذكرها الشهيد مطهري هي ثلاثة كما يلي :
أ- الربا: يقول: حتى وإن تغيرت الأشكال، تظل روح الربا موجودة. فلا يمكننا التخلي عن هذه الروح بسبب تغير الأشكال.
ب- التسول:
يرى أن تغير الأشكال والمظاهر لا يغير من روح التسول التي ينكرها الإسلام.
ج- السرقة:
هي تحتفظ بروحها الخاصة رغم تغير أشكالها إلى أشكال حديثة، ولا يمكننا التخلي عن هذه الروح.
الطبقة الثانية: الروح الخاصة بموضوع ما قد تتغير ويأتي موضوع آخر يحل محلها، حتى وإن لم يتغير الشكل الخارجي. أي أن الموضوع في ظاهره يبدو كالموضوع القديم، ولكن روحه قد تغيرت. في هذه الحالة، يمكننا استنباط حكم جديد لهذا الموضوع لأن الكيان قد اكتسب طابعاً جديداً وتغير.