فهناك من المفاهيم ما يقوم بدور الإشعاع على بعض الأحكام، وتيسير مهمّة فهمها من نصوصها الشرعيّة، والتغلّب على العقبات التي تعترض ذلك، فالمفهوم الأوّل- الذي عرضناه قبل لحظات عن الملكيّة الخاصّة- يهيّئ الذهنيّة الإسلاميّة ويعدّها لتقبّل نصوص شرعيّة تحدّ من سلطة المالك وفقاً لمتطلّبات المصلحة العامّة للجماعة؛ لأنّ الملكيّة بموجب ذلك المفهوم وظيفة اجتماعيّة يسندها الشارع إلى الفرد؛ ليساهم في حمل أعباء الخلافة التي شرّف اللَّه بها الإنسان على هذه الأرض، وليست حقّاً ذاتيّاً لا يقبل التخصيص والاستثناء، فمن الطبيعي أن تخضع الملكيّة لمتطلّبات هذه الخلافة، ومن اليسير في هذا الضوء تقبّل نصوص تحدّ من سلطة المالك، وتسمح بانتزاع المال من يد صاحبه في بعض الأحايين، كالنصوص الإسلاميّة في الأرض التي تؤكّد على أنّ الأرض إذا لم يقم صاحبها باستثمارها ورعايتها وفقاً لمتطلّبات الخلافة تنتزع منه ويسقط حقّها فيها، وتعطى لآخر. وقد تردّد كثير في الأخذ بهذه النصوص‏؛ لأنّها تهدر حرمة الملكيّة المقدّسة. ومن الواضح أنّ هؤلاء المتردّدين لو كانوا ينظرون إلى تلك النصوص بمنظار المفهوم الإسلامي عن الملكيّة لما صعب عليهم الأخذ بها والتجاوب مع فكرتها وروحها. وبهذا نعرف أنّ المفاهيم الإسلاميّة في الحقل الاقتصادي قد تُشكّل إطاراً فكريّاً يكون من الضروري اتّخاذه لتتبلور ضمنه النصوص التشريعيّة في الإسلام تبلوراً كاملًا، ويتيسّر فهمها دون تردّد. ونحن نجد بعض تلك النصوص التشريعيّة قد لاحظت هذا المعنى بوضوح فأعطت المفهوم أو الإطار تمهيداً لإعطاء الحكم الشرعي، فقد جاء في الحديث بشأن الأرض وملكيّة الإنسان لها: «إنّ الأرض للَّه‏تعالى جعلها وقفاً على عباده، فمن عطّل أرضاً ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة اخذت من يده ودفعت إلى غيره» «2». فنحن نرى أنّ الحديث قد استعان بمفهوم معيّن عن ملكيّة الأرض ودور الفرد فيها على توضيح الحكم بانتزاع الأرض من مالكها وتبرير ذلك. وبعض المفاهيم الإسلاميّة يقوم بإنشاء قاعدة يرتكز على أساسها مل‏ء الفراغ الذي اعطي لوليّ الأمر حقّ ملئه. فالمفهوم الإسلامي عن التداول مثلًا الذي‏ عرضناه سابقاً يصحّ أن يكون أساساً لاستعمال الدولة صلاحيّاتها في مجالات تنظيم التداول، فتمنع في حدود الصلاحيّات كلّ محاولة من شأنها الابتعاد بالتداول عن الإنتاج، وجعله عمليّة لإطالة الطريق بين المستهلك والسلعة المنتجة، بدلًا عن أن يكون عمليّة إعداد للسلعة وإيصالٍ لها إلى يد المستهلك. فالمفاهيم الإسلاميّة تقوم إذن بدور الإشعاع على النصوص التشريعيّة العامّة، أو بدور تموين الدولة بنوعيّة التشريعات الاقتصاديّة التي يجب أن تُملأ بها منطقة الفراغ. 📚اقتصادنا(موسوعة الشهيد الصدر ج‏3) المفاهيم تساهم في العملية: ..... ص : 439 🏠https://eitaa.com/feghhevelaee