سند و متن حدیث فوق رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَر عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع: ... فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِي هَذَا الرَّيْعِ الَّذِي جُعِلَ فِي الزَّرْعِ فَصَارَتِ الْحَبَّةُ الْوَاحِدَةُ تُخَلِّفُ مِائَةَ حَبَّةٍ وَ أَكْثَرَ وَ أَقَلَّ وَ كَانَ يَجُوزُ لِلْحَبَّةِ أَنْ تَأْتِيَ بِمِثْلِهَا؛ فَلِمَ صَارَتْ تَرِيعُ هَذَا الرَّيْعَ إِلَّا لِيَكُونَ فِي الْغَلَّةِ مُتَّسَعٌ لِمَا يَرِدُ فِي‏ الْأَرْضِ مِنَ الْبَذْرِ وَ مَا يَتَقَوَّتُ الزُّرَّاعُ إِلَى إِدْرَاكِ زَرْعِهَا الْمُسْتَقْبَلِ؟ أَ لَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَرَادَ عِمَارَةَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ كَانَ السَّبِيلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَ أَهْلَهُ مَا يَبْذُرُونَهُ فِي أَرْضِهِمْ وَ مَا يَقُوتُهُمْ إِلَى إِدْرَاكِ زَرْعِهِمْ؟! فَانْظُرْ كَيْفَ تَجِدُ هَذَا الْمِثَالَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي تَدْبِيرِ الْحَكِيمِ: فَصَارَ الزَّرْعُ يَرِيعُ هَذَا الرَّيْعَ لِيَفِيَ بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْقُوتِ وَ الزِّرَاعَةِ وَ كَذَلِكَ الشَّجَرُ وَ النَّبْتُ وَ النَّخْلُ يَرِيعُ الرَّيْعَ الْكَثِيرَ فَإِنَّكَ تَرَى الْأَصْلَ الْوَاحِدَ حَوْلَهُ مِنْ فِرَاخِهِ أَمْراً عَظِيماً فَلِمَ كَانَ كَذَلِكَ إِلَّا لِيَكُونَ فِيهِ مَا يَقْطَعُهُ النَّاسُ وَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي مَآرِبِهِمْ وَ مَا يُرَدُّ فَيُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ وَ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ مِنْهُ يَبْقَى مُنْفَرِداً لَا يُفْرِخُ وَ لَا يَرِيعُ لَمَا أَمْكَنَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ لِعَمَلٍ وَ لَا لِغَرْسٍ ثُمَّ كَانَ إِنْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ انْقَطَعَ أَصْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ خَلَفٌ‏. تَأَمَّلْ نَبَاتَ هَذِهِ الْحُبُوبِ مِنَ الْعَدَسِ وَ الْمَاشِ وَ الْبَاقِلَاءِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ فِي أَوْعِيَةٍ مِثْلِ الْخَرَائِطِ لِتَصُونَهَا وَ تَحْجُبَهَا مِنَ الْآفَاتِ إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ وَ تَسْتَحْكِمَ كَمَا قَدْ تَكُونُ الْمَشِيمَةُ عَلَى الْجَنِينِ لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَ أَمَّا الْبُرُّ وَ مَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مُدْرَجاً فِي قُشُورٍ صِلَابٍ عَلَى رُءُوسِهَا أَمْثَالُ الْأَسِنَّةِ مِنَ السُّنْبُلِ لِيُمْنَعَ الطَّيْرُ مِنْهُ لِيَتَوَفَّرَ عَلَى الزُّرَّاعِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَ وَ لَيْسَ قَدْ يَنَالُ الطَّيْرُ مِنَ الْبُرِّ وَ الْحُبُوبِ؟ قِيلَ لَهُ: بَلَى عَلَى هَذَا قُدِّرَ الْأَمْرُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُ فِي مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ حَظّاً وَ لَكِنْ حُصِنَتِ الْحُبُوبُ بِهَذِهِ الْحُجُبِ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ الطَّيْرُ مِنْهَا كُلَّ التَّمَكُّنِ فَيَعْبَثَ بِهَا وَ يُفْسِدَ الْفَسَادَ الْفَاحِشَ فَإِنَّ الطَّيْرَ لَوْ صَادَفَ الْحَبَّ بَارِزاً لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ يَحُولُ دُونَهُ لَأَكَبَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْسِفَهُ أَصْلًا فَكَانَ يَعْرِضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْشَمَ‏ الطَّيْرُ فَيَمُوتَ وَ يَخْرُجَ الزَّارِعُ مِنْ زَرْعِهِ صِفْراً فَجُعِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْوَقَايَاتُ لِتَصُونَهُ فَيَنَالَ الطَّائِرُ مِنْهُ شَيْئاً يَسِيراً يَتَقَوَّتُ بِهِ وَ يَبْقَى أَكْثَرُهُ لِلْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ أَوْلَى بِهِ إِذْ كَانَ هُوَ الَّذِي كَدَحَ فِيهِ وَ شَقِيَ بِهِ وَ كَانَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الطَّيْر. @yekaye