أولا: ضرورة البحث عن المدارس الفقهية:
النتيجة المهمة المترتبة على مثل هذا البحث، هي نقل البحوث الفقهية وتوجيهها نحو أن يجري ويسير قطار عملية الاجتهاد فيها على قضبان المدرسة امكانياتها وقابلياتها وطاقاتها.
وبالضبط تترتب على عملية الاجتهاد التی تسیر على هذا القضبان فائدتان أساسيتان:
۱. تفعيل وتنفيذ قدرات وطاقات الفقه للاجابة على القضايا المعاصرة والتخصصية.
۲. جعل البحوث الفقهية قابلة للتقييم العلمي الكاشف عن نقاط القوة والضعف.
والمقصود من جعلها قابلة للتقييم هو أنه إذا تم إجراء الدراسات الفقهية في إطار مدرسة مّا، فمن الممكن تسليط الضوء على أوجه القصور في هذه الدراسات أو جوانبها الإيجابية وتحقيق كل منها.
وببيان آخر: ان من فوائد ومزايا "تشكيل الدراسات الاستنباطية وفقا للاطر المدرسية" صيرورتها قابلة للتقييم العلمي من زوايا مهمة.
وهذا التقييم يتم على أساس الأسئلة التالية:
- ما هي المبادئ الفكرية المدرسية التي تكونت هذه الدراسة الفقهية على أساسها؟
كيف يتم التعامل فيها مع المصادر؟
- ما هي مخرجاتها؟
- ما هي ميزاتها؟
- ماذا يمكنها أن تفعل وتؤدي دورا في الساحة الاجتماعية؟
على عكس ما إذا كانت الدراسات غير حاصلة في بيئة مدرسية، فانه لا يمكننا تقييمها؛ لأن التقييم يمكن فيما اذا كان هناك خط فكري واحد ومنهجية واحدة ذات نتائج معينة.
@manhajah
♦️ الوضع الحالي للحركة الفقهية المدرسية:
ليس كل دراسة فقهية، تتبع بالضرورة مدرسة فقهية؛ بل نادراّ مّا تجري الدراسات الفقهية من منطلق المدارس الفقهية، وقليلا ما تتم الاستنباطات الفقهية في إطار الأفكار المدرسية وبالاعتماد عليها.
وبعبارة أخرى، في أكثر الأحيان لا تستند عملية الاستنباط الفقهية إلى انضباط مدرسي، حتى أولئك الذين أبدعوا مدارس فقهية، لا يأخذون بالضرورة كل أفكارهم الفقهية من مدارسهم.
و ببيان آخر، نرى أن هناك بعض أصحاب المدارس يجرون دراسات فقهية ، لكن لا يتم تنفيذ ومتابعة جميع نشاطاتهم الفقهية في إطار تلك المدرسة التي تم تبنيها من قبلهم وهذا يمثل نقطة ضعف في متابعة وتحقيق أصول فكرة المدرسة وبلورتها في الفقه.
وهذه المشكلة تتسبب عن ضعف "علم المنهجية الفقهية". وكثيرا ما يختفي على صاحب المدرسة نفسه إطار ومتطلبات متابعة مدرسته بسبب هذا الضعف.
♦️ تعريف المدرسة:
وقبل تقديم تعريف لها، ينبغي الالتفات الى نقاط:
الأولى: إن مصطلح "المدرسة الفقهية"، لم يتم تحديده بوضوح حتى الآن على الرغم من وجوده واستخدامه في الأدبيات العلمية.
@manhajah
روش شناسی 1.mp3
5.51M
🔹 روش شناسی فقهی (1)
بخش اول
مکان ارائه: مدرسه عالی انوار طه
زمان ارائه: 98/ 11/ 24
@manhajah
الثانية: هناك فهم أولي ومبدئي لمصطلح المدرسة الفقهية، يمثل معرفة ضئيلة وإجمالية لواقعها، نفهم في إطارها أن المدرسة الفقهية يتم تشكيلها على أساس وجود طريقة معينة في الاستنباط، ولكن من الواضح أن الفهم الأولي للموضوعات والمصطلحات (الذي يمكن أن نسميه بالمعرفة الارتكازية لها) وإن كان أمراً مهماً، (حيث يحتوي على حصة من العلم) ، بيد أنه في الوقت نفسه، يكون الاكتفاء بالفهم الأولي والارتكازي، مصدراً للأخطاء ومقروناً بالغموض، فلا يتحرك ولا ينمو بمثله العلم.
الثالثة: يرجع سبب عدم تحديد مصطلح المدرسة الفقهية إلى شيئين، هما: ١) وجود جوانب من الغموض في عملية فهم ماهية مدرسة الفقه ٢) غياب علم يتكفل تحديد المنهج العلمي للفقه الذي هو يمثل النقطة الأساسية للمدرسة الفقهية.
الرابعة: على الرغم من أنه قد يتصور أن علم أصول الفقه هو علم يمارس ويتناول بيان وعرض منهجية علمية للفقه، فإنه يتناول جزءًا من المنهجية، وهو بعض المفردات المستخدمة في منهجية الاستنباط وهي القواعد الأصولية، أما المنهجية كعملية ذات أجزاء وجزئيات، وتنظيمها يتطلب إنشاء علم آخر.
الخامسة: ما تم اقتراحه وعرضه مؤخرًا في حوزة قم العلمية، بأنه يجب أن تكون لدينا نظرة علمية ثانية على علم الفقه (تحت عنوان "فلسفة الفقه")، هي في طليعة وظائفها دراسة منهجية الفقه؛ لأن جزءًا هامًا من النظرة الفلسفية للعلوم هو دراسة وتحديد منهجية العلم.
ولذلك، نستنتج أن إهمال تعريف وشرح ماهية المدرسة الفقهية يرجع إلى النقص في المعرفة العلمية لمنهجية الفقه.
السادسة: لهذا السبب، فإن بذل الجهد العلمي لتحقيق تعريف دقيق لمصطلح "المدرسة الفقهية" ضروري.
@manhaja
روش شناسی2، ۲۴-۱۱-۹۸.mp3
5.14M
🔹 روش شناسی فقهی (1)
بخش دوم
مکان ارائه: مدرسه عالی انوار طه
زمان ارائه: 98/ 11/ 24
@manhajah
1_238510704.mp3
9.01M
🔴 انواع مکتب های اجتهادی (۱)
⏪زبان ارائه: عربى.
⏪ جامعة آل البيت (ع).
⏪ زمان ارائه: ۹۸/۱۲/۲۸.
@manhajah
انواع مكتب هاي اجتهادی(۲).mp3
1.99M
🔴 انواع مکتب های اجتهادی (۲)
⏪زبان ارائه: عربى.
⏪ جامعة آل البيت (ع).
⏪ زمان ارائه: ۹۹/۰۱/۱۴.
@manhajah
انواع مکتب های اجتهادی(۳).mp3
4.03M
🔴 انواع مکتب های اجتهادی (۳)
⏪زبان ارائه: عربى.
⏪ جامعة آل البيت (ع).
⏪ زمان ارائه: ۹۹/۰۱/۱۸
@manhajah
ضمن فعاليات الأسبوع الثقافي بمناسبة الذكرى الأربعين لاستشهاد الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر ( قدس سره ) أنتم على موعد مع *الندوة الإلكترونية* على تطبيق (زوم zoom) والتي تقام تحت عنوان :
*عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للسيد الشهيد الصدر .*
المتحدث: *سماحة آية الله الشيخ أحمد مبلغي*
التاريخ: *الجمعة 17/4/2020 الساعة التاسعة مساءاً بتوقيت بغداد*
يتم الدخول إلى المحادثة من خلال ID meeting :
(999-444-1980)
أو من خلال الانضمام على الرابط :
https://us02web.zoom.us/j/9994441980
يفتح باب النقاش والمحاورة بعد الندوة .
*إدارة تجمع أبناء وادي النهرين*
انواع مکتب های اجتهادی(۴).mp3
9.07M
🔴 انواع مکتب های اجتهادی (۴)
⏪زبان ارائه: عربى.
⏪ جامعة آل البيت (ع).
⏪ زمان ارائه: ۹۹/۰۱/۳۱
@manhajah
♦️ عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر.
[قد قام تجمع أبناء وادي النهرين بعمل جميل ومفيد للغاية في ذكرى استشهاد المفكر الكبير الشهيد محمد باقر الصدر، رحمة الله عليه، في شكل برنامج فكري أسبوعي.
المثير للاهتمام هو أن هذه المجموعة الطيبة التي قامت بهذا البرنامج الاسبوعي، كان لديها نهج جيد، وهو تركيزها على نقطة استراتيجية، تجيب على هذا السؤال: ماذا علينا ان نفعل في استخدام الشهيد الصدر كمصدر فكري عميق لتلبية الاحتياجات الجديدة؟ وما هي آلية وطريقة عملية تحويل أفكاره العميقة إلى حركة اجتماعية علمية نشطة؟ وأي أسلوب علمي واجتماعي نتخذه كي يجعل أفكاره وآرائه ومنهجيته تستمر في التدفق والتحرك رغم أنه ليس بيننا الآن؟
في إطار هذا البرنامج، دعيت من قبل هذا التجمع ، للمشاركة في برنامج عبر Zoom لتقديم بحث علمي تحت عنوان "عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر. "
سأقدم وأنشر تدريجياً ما قلته في هذا البرنامج تحت هذا العنوان انشاء الله. سأحاول أن أعرض، من وقت لآخر، أجزاء من هذا البحث، وبالطبع، ما أقدمه سيكون مع بعض التعديل في بعض العبارات].
مقدمة في أبرز سمات أفكار المفكر الشهيد
⚡أ. تمتاز بالحيوية
لقد أضاف الشهيد الصدر مجموعة قيمة إلى أدبيات التفكير العميق في العلوم المختلفة. ومع أن جهوده العلمية يبدو أنها كانت متعددة المجالات والجهات، إلا أننا نستطيع القول وبجرأة أنه استطاع أن يأتي في جميع هذه الميادين بمباحث فكرية عميقة تمتاز بجودة عالية وحيوية خاصة وبكونها حاسمة وفاصلة.
⚡ب. تُعمّق الفكر الاسلامي
ومع هذا كله فإنّ عمره القصير لم يمنحه فرصة لبسط افكاره وتوضيحها بشكل أكبر. وقد جاء الآن دور الجيل الحاضر وكذلك في المستقبل للاستفادة من آثار هذا العالم الكبير المليئة بالأفكار الراقية في العلوم المختلفة. إن افكاره يمكن لها بحقّ أن تُوجد أرضية مناسبة لتنوير وتطوير وتعميق الفكر في المجالات المعرفية الدينية.
⚡ج. تربط الماضي بالمستقبل عبر الآليات المنطقية
إن أهمّ تساؤل في تطوير الفقه وتفعيله، هي كيفية الانتقال إلى المستقبل من أعماق الماضي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين الجسر الذي يربط الماضي بالمستقبل؟ وللاجابة عن هذا السؤال ذُكرت أفكار مختلفة؛ إلا أنّ الذي يميّز الشهيد الصدر هو سعيه المنظم والمنضبط والذي يوصي به في الاجابة عن هذا السؤال.
إنّ أفكار الشهيد الصدر على خلاف الأفكار المتفرقة والتي تتداول المطالب التي طرحها الآخرون، فإنها تتبنى ايجاد آلية منطقية لربط الماضي بالمستقبل وتسعى ضمن إطار فكري منظومي أن يجعل الفكر الفقهي في اطار مشخص في مسيرة التحول والتبدل الذاتي والحركة الذاتية في قبال الزمن.
♦️عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (٢)
[كما قلنا، قد تم تقديم هذا البحث في محاضرة، ولكن هنا سيتم تقديمها مع تعديلات وتغييرات تجعلانه أكثر اكتمالاً وشفافية].
🔸️تمهيد:
بما أن مناقشة ضرورة التاريخ في الاستنباط واستخدامه في الفقه، أمر حساس ومهم، ولم يتم تقديم دراسات مستقلة ودقيقة وكاملة في هذا المجال وفي شكل المناقشات التنظرية، (بل ظهرت في الغالب في المدارس كاتجاهات)، سأحاول تقديم هيكل مع محاور لهذه المناقشة، بحيث، ونتيجة لذلك، تجد من جهة، إطارًا نظريًا لمناقشة عنصر التاريخ في الاجتهاد، يمكن اقتراحه والتركيز عليه، ومن ناحية أخرى، عمق فكرة الشهيد الصدر فيما يتعلق بعنصر التاريخ في الاستنباط.
بطبيعة الحال، لا يجب أن نتوقع مشاهدة بيان من الشهيد الصدر تحت كل محور ومحور من هذا الهيكل، لأن الشهيد قال بعض النقاط الأساسية فيما يتعلق ببعض الموضوع.
نحن نقدم الهيكل حتى نتمكن من تقديم بنية هيكلية لمثل هذا البحث الهام من ناحية، - وطبعا نحتاج هذه الهيكلية-، ومن ناحية أخرى نتمكن من بلورة عمق كلمات الشهيد الصدر في هذا السياق.
🔸️هيكلة محاور البحث العلمي حول "عنصر الرؤية التاريخية في الاستنباط:
هناك ثلاثة بحوث حول "عنصر الرؤية التاريخية في الاستنباط":
- ضرورة وضع الرؤية التاريخية في منهجية الاستنباط.
- ضرورة توفير المنهجية للرؤية التاريخية.
- نسبة عنصر الرؤية التاريخية مع العناصر الأخرى في منهجية الاستنباط.
🔸️ دراسة المحاور الثلاثة المذكورة أعلاه.
المحور الأول: ضرورة وضع الرؤية التاريخية في منهجية الاستنباط
في الواقع، السؤال: هل وضع "الرؤية التاريخية " في مكونات منهجية الاستنباط، ضروري؟ إذا أثبت الدليل هذه الضرورة، فمن الضروري أن تتضمن منهجية الاستنباط عنصر الرؤية التاريخية، وإذا أثبت أنه غير ضروري، أو إذا لم يثبت بالدليل أنه ضروري، فنضعه جانباً.
هناك فوائد أساسية مهمة تترتب على وضع الرؤية التاريخية في منهجية الاستنباط، تبلغ اهمية وحيوية بعض هذه الفوائد مرتبة لا يمكن تجاهلها، وتعمل هي كدليل لإثبات ضرورة انتهاج الرؤية التاريخية كعنصر في الاستنباط، وفيما يلي الإشارة الى هذه الفوائد.
أولاً: تقليل احتمالية الخطأ في الاستنباط:
يتم توضيح هذه الفائدة، ودليليّتها لإثبات المدعي، من خلال البيان التالي:
هناك مبدأ يقول: "إنه مع وجود عيون وأذن أكثر حدة، تُرى الزوايا الخفية للموضوع أولا، ويصبح الشخص أقل خطأ ثانياً"، بالانطلاق من هذا المبدأ نفهم أن الفقيه الذي يركز على التاريخ أقل خطأ من الفقيه الذي لا يركز عليه ، لأنه يحصل على التفاصيل والأبعاد المخفية المتعلقة بالموضوع ، على عكس الفقيه الذي لا يركز عليه ، فالفقيه غير المستفيد من الرؤية التاريخية يكون مثل الشخص المتحرك الذي لا ينظر بعناية أثناء حركته أمامه والمناطق المحيطة به ، بل ينظر فقط إلى الأرض وما هو في اطراف قدميه، لذلك يحتمل ارتكابه للكثير من الأخطاء بصورة جدية.
♦️ إذا أردنا ...
إذا أردنا تبسيط وتعميق الاجتهاد، وتفعيل وتوسيع النقد الفقهي، والتعرف على الفقهاء ذوي الابداعات الفقهية والجديدة، والتعرف على ما هو المسار الذي يجعل الفقه مستجيباً لحاجات الانسان المعاصر بشكل أفضل وأسرع، وتفعيل الاستفادة من القرآن والأحاديث في الفقه بشكل أكثر دقة وذكاء، وجعل نظام التعليم الفقهي أكثر مرونة، ووضع مسافات أقصر في هذا النظام، ووضع البحث الفقهي على الطريق الصحيح، وتقليل الاتجاهات الاحتياطية المضرة في الفقه، وجعل طبيعة الفقه التاريخية أكثر تبلورا ووضوحا ونشاطا، وإقامة العلاقة الصحيحة والعلمية بين الفقه والمجتمع، وإقامة العلاقة الصحيحة بين الدين والفقه، وإرساء العلاقة الصحيحة بين الفقه والشريعة، وتطوير وتجذير مكانة ودور الأخلاق في الفقه، وإقامة العلاقة البناءة بين الفقه والقانون، وخلق الجاذبية لعلم الفقه وفروعه التخصصية، ووضع الفقه في موقف يسبق الزمان ويتحرك ويعمل أمامه أو على الأقل معه، لا أن يتخلف عن الزمن وأحداثه، أو أن كان متورطا في جزء صغير من أحداث الزمان مع فاصلة عن حدوثها تعادل عشرات السنين و...
إذا أردنا كل هذا، فان ذلك له شرط اولي واساسي، الا وهو تأسيس وتفعيل علم المدرسة الفقهية.
هذه القضية خطيرة للغاية لدرجة أننا بدون تفعيل هذا العلم، لا يمكننا إجراء تغيير أساسي وعميق وشامل وهادف وواسع في الفقه على الإطلاق. طبعاً، بناءً على المبادئ الأساسية للفقه ومنهجيته الاصيلة، ومصادره الغنية، لا على اساس الكلمات التي تسمع من هنا وهناك، وتهدف إلى إبعاد الفقه عن أصالته وحركته التاريخية.
وفي هذا السياق، تم إلقاء سلسلة من الدروس تحت عنوان "أنواع المدارس الفقهية" في جامعة أهل البيت، وهي مستمرة بحمد الله، ويمكن اعتبار ذلك بمثابة فتح للأفق العلمي في هذا المجال.
وقد تم نشر بعض هذه الدروس في هذه القناة، وسيتم نشر البقية تدريجيا انشاء الله.
♦️ عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (٣)
ثانياً: جعل الفقيه قادرًا على الإبداع والتنظير:
تتمثل إحدى فوائد ومزايا "امتلاك رؤية تاريخية في الاستنباط" في أن المجال سيتم فتحه أمام الفقيه لأن يتمكن من التنظير الفقهي. يكمن سر هذا في حقيقة أن النظرة التاريخية تجعل عقل الفقيه يزدهر من خلال فتح آفاق جديدة من الأفكار والمعلومات أمامه، وفي هذه الحالة سيكون قادرًا على الانخراط في عملية التنظير الفقهي.
يمكن القول إن أحد العوامل التي أثرت على شخصية الشهيد الصدر في أن يصبح ويتبلور كمنظّر ومفكر كبير، هو نظرته الدقيقة للتاريخ. إذا لم يكن يلقي نظرة عن كثب على التاريخ، ولم يكن يولي اهتمامًا كبيرًا لتحليله وملاحظة أحداثه وحقائقه، فإنه بالتأكيد لم يصبح منظِّرًا.
🔹 ️نظرية التفاعل مع النص حسب الظروف الاجتماعية".
وفيما يلي إحدى نظرياته التي انبثقت من التاريخ، وركزت على التاريخ، وهي النظرية التي يمكن تسميتها "نظرية التفاعل مع النص حسب الظروف الاجتماعية".
وتوضيحها أن الشهيد الصدر قدم نظرية مهمة جدا في مجال التفاعل مع النص في الاستنباط. طبعا، لم يقدم هذه النظرية بهذا الصياغة الشاملة التي نطرحها هنا، بل هو طرح مفردات هذه النظرية هنا وهناك، فإذا نجمع هذه المفردات ووجهات نظره في مواضع مختلفة، وننظر الى كلها معًا، نحصل على هذه النظرية.
🔸️ مفاد النظرية:
ان التعامل الاستنباطي مع النص، بما أن له العديد من الأبعاد والجوانب، مثل: "تحصيل معنى النص" و"تنويع النص" و"تطبيق النص" و....، فانه لا يمكن تشكيل هذا التفاعل بشكل دقيق ومنطقي مع النص الا عبر معرفة الظروف الاجتماعية للمجتمِعَيْن: المبدأ والمقصد (أي: المجتمع في عهد التشريع والمجتمع في عهد التنفيذ).
🔸️وانطلاقا من هذه النظرية، نجد أن المفكر الشهيد الصدر قد اعتقد بالموارد التالية:
-- الفهم وفقا للظرف.
-- الملأ وفقاً للظرف.
-- التطبيق وفقاً للظرف.
-- التحقيق وفقا للظرف.
-- التنويع وفقا للظرف.
🔸️وإليك تبيين هذه الموارد:
١. الفهم وفقاً للظرف.
يذكر الشهيد الصدر أن نزع الأدلة الشرعية عن ظروفها وشروطها، هو أحد أسباب ومصادر خطر العنصر الذاتي، الذي يحف بعملية فهم الأحكام والمفاهيم في النصوص (اقتصادنا: ٣٨٤).
٢. الملأ وفقاً للظرف.
تاتي هذه العملية (الملأ وفقا للظرف) على أساس نظريته الشهيرة المسماة بنظرية منطقة الفراغ، طبقا لهذه النظرية، يجب أن يملأ ولي الامر هذه المنطقة الفارغة، وفقًا للظروف الاجتماعية لزمنه.
يقول الشهيد الصدر - بتصرف يسير في عبارته- :
"النبي الأعظم (ص) حين قام بعملية ملء هذا الفراغ... ملأه ...وفقا للظرف، ..... [فإن] عملية ملء الفراغ ... يجب أن تمارس في كل حين وفقا للظروف..." (اقتصادنا: ٣٨٠، ٣٨١).
يمكن أن يُسأل: بحثنا حول التفاعل مع النص، ما هي العلاقة بين ممارسة "الملأ وفقا للظرف" مع النص؟ الجواب يتضح من كلام الشهيد الصدر، قال:
"حين نقول: (منطقة فراغ)، فإنما نعني ذلك بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية ونصوصها التشريعية" (اقتصادنا: ٣٨٠).
للبحث تتمة
♦️ عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (٤)
٣. التطبيق وفقا للظرف.
إن المقصود من الظرف هنا، هو الظرف الاجتماعي لوقت تنفيذ النص وليس الظرف الاجتماعي لوقت تشريع النص وتكوينه.
هذه إحدى مبادرات الشهيد الصدر، حيث ألقى نظرة دقيقة الى عملية تطبيق النص، ورأى أنه قد يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية للمجتمع الذي نريد تطبيق النص فيه، وأنه إذا لم ننتبه لهذه الظروف، ففي الواقع، لا يتم اجتهادنا -الذي يتضمن عملية التطبيق- بشكل دقيق.
وطبعا هذا ليس لـ "كل نص"، وتفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله.
إليك كلام الشهيد الصدر في ذلك، يقول:
"والأحكام الشرعية على الرغم من كونها ثابتة قد يختلف تطبيقها تبعا للظروف من عصر إلى عصر .... فمثلا الشرط الضمني - على حد تعبير الفقهاء - واجب ونافذ وهو كل شرط دل عليه العرف العام وان لم يصرح به في العقد ولكن نوع هذه الشروط - لما كان العرف هو الذي يحددها - تختلف فقد يكون شئ ما شرطا ضمنيا مع العقد في عصر دون عصر" (الفتاوى الواضحة، 1 : 13).
في الواقع، هذه واحدة من النقاط الأساسية في تفكير الشهيد الصدر، فما يقدمه الشهيد بعنوان "التطبيق المطابق للظروف"، هو زاوية جديدة فتحها لنا لنعمم فكرة "امتلاك النص للمرونة"، الى نوع جديد من المرونة، تحدث في مرحلة التطبيق؛ لذلك يمكن أن نسميها "المرونة التطبيقية".
ترتبط وتلتصق هذه المرونة للنص، مثل كل المرونات الأخرى المتصورة للنص، بالظروف الاجتماعية. بالطبع ، بالظروف الاجتماعية لوقت التطبيق، وليس لوقت التشريع.
وهذه المرونة يجب البحث عنها كي نحولها إلى منظور نظري وفكري وشفاف؛ ببيان آخر، يبدو أن هذه الزاوية التي فتحها وبادر بها، يجب فحصها ودرسها حتى تصبح أبعادها ومجالاتها ونطاقها أكثر وضوحا ، وبالطبع ذكر الشهيد الصدر أبعادا مهمة من ذلك في اصوله.
♦️عنصر التاريخ في المنهج الفقهي للشهيد الصدر (٥)
٤ . التحقيق وفقاً للنص.
يختلف تحقيق النصوص عن سابقه (أي: تطبيق النصوص) من جهة أننا في تحقيق النصوص، نقوم بعملية تتمحور حول الأنظمة التشريعية المستمدة من النصوص، بينما في تطبيق النصوص نقوم بتنفيذ بعض المفردات ذات المرونة المفهومية الواردة في النص، كمفردة الإحسان مثلا.
🔸️ كلام الشهيد الصدر:
في البداية أذكر كلاما للشهيد الصدر يتعلق بذلك، ثم احاول شرحه ان شاء الله.
هو يقول: "نظام العبادات في الشريعة الاسلامية... لا تتأثر بطريقة الحياة العامة وظروف التطور المدني في حياة الانسان الا بقدر يسير، خلافا لجوانب تشريعية أخرى مرنة ومتحركة، يتأثر أسلوب تحقيقها وتطبيقها بظروف التطور المدني في حياة الانسان كنظام المعاملات والعقود". (الفتاوى الواضحة، 1 : 579)
🔸️إيضاح فكرة الشهيد الصدر:
حسب هذا البيان، يعتقد الشهيد الصدر أن نظام العبادة هو نظام مستقر وموحد وثابت. ونتيجة لذلك ، عندما تريد تحقيق هذا النظام ، لم يعد عليك الانتباه إلى الظروف المختلفة ، أو حتى إذا لزم ذلك، فموارده ضئيلة جدًا. على عكس نظام المعاملات، فانه على الرغم من أن النصوص الواردة فيها، لها روح ومعايير وقواعد ومبادئ واحدة، ولكن تنفيذ هذا النظام، يخضع للتغييرات وفقًا للظروف الاجتماعية.
ولو أردنا إيضاحا أكثر، فنحن بحاجة الى إعادة صياغة نظريته وفكرته، وهذه تتم عبر ذكر وتبني النقاط التالية:
١. هناك عنصران -على الأقل- لكل موضوع رئيسي مهم دل عليه النص، يتغيران وفقًا للظروف الاجتماعية، وهما: عنصرا "النطاق" و "الأسلوب".
على سبيل المثال: البيع، فهو على الرغم من أن أساسه وقواعده وروحه وأركانه لا تتغير ، إلا أن عنصريْ نطاقه وأساليب تحقيقه يتحولان، مثلا، يتم إضافة أنواع جديدة من البيوع إلى نطاق البيع، فيتسع، كما أن أساليب تحققه تتحول أيضا، مثل التطور الحاصل في طريقة تسليم السلعة أو استلامها.
٢. بالنظر الى أن ما يتغير حسب الظروف الاجتماعية هو "النطاق" و"الأسلوب"، يبرز سؤال، وهو ما علاقة هذا التغيير بـ "تحقيق النص وفق الظروف"؟ الجواب هو أنه بما أن التغيير يحدث في نطاق أو أسلوب البيع الذي قدمه النص (احل الله البيع)، يمكننا التعبير عن اعتماد هذا التغيير، بعملية "تحقيق النص وفقًا للظروف" لأننا من خلال هذا التغيير نريد تحقيق ما قدمه النص.
٣. بشكل أساسي، ترتبط عملية "تحقيق النص وفقا للظروف" بالموارد التي يقدم النص فيها نظامًا فقهيا، وهذا يحصل فيما إذا اعطى النص عنصرًا رئيسيًا (مثل البيع) له أبعاد مختلفة، ومكونات مختلفة وقواعد مختلفة، فعندئذ يتبلور كنظام فقهي يسمى نظام البيع، أو اعطى مجموعة عناصر رئيسية كالبيع والاجارة والصلح و...، فعندئذ تتبلور كنظام فقهي كبير يسمى نظام المعاملات.
وعليه فان تحقيق النص، في الواقع تحقيق لأكثر من نص، لأن مجموعة من النصوص، هي التي تعطي النظام.
٤. إن لكل نظام ثوابت ومتغيرات، اما ثوابته فهي العناصر الرئيسية (البيع، والاجارة والمضاربة و...) وروح النظام، ومبادئ النظام، وقواعد النظام، وأهداف النظام، وأحكام وتفاصيل أجزاء وجزئيات النظام، فإن هذه الثوابت تُوفِّرها وتعطيها النصوص. واما متغيراته فهي تتمثل: أولا: في النطاق المرن الذي لاحظه الشارع للنظام وعناصره فيتكوّن ويتاطّر هذا النطاق حسب الظروف، وثانيا: في الاساليب المتطورة التي يحصل النظام بسببها على وضعه الخارجي والموضوعي والملموس والحقيقي والواقعي.
🔸️النتيجة:
أ. إن تحقيق النصوص عملية تحاول إعطاء النصوص - التي تشكل هذه الأنظمة - وجودها في الخارج.
ب. إن عملية تحقيق النصوص تتبنى عناصر متغيرة، بهدف تنفيذ ثوابت النصوص وروحها ومحتوياتها ومبادئها والأفكار المتناغمة السائدة فيها.
ج. إن تحقيق النص عملية لا تركز على نص أو نصّين، بل على مجموعة ضخمة من النصوص التي تظهر وتنشأ منها أنظمة فقهية مختلفة (على سبيل المثال: نظام العبادة، نظام المعاملات، نظام الأسرة، و.... ).
♦️دعاء يترجم لنا "إله الناس"
دعاء الجوشن الكبير دعاء خاص بتمام معنى الكلمة، ما في هذه الصلاة من البداية إلى النهاية هو الله، في كل لحظة لحظة من هذا الدعاء تجد نفسك أمام الله وتجد اسماً من أسماء الله وصفة من صفات الله، تنفتح لك باستمرار في هذا الدعاء آفاق وأفكار تربطك بالله، يظهر لك في هذا الدعاء لمعان أسماء الله، وتنكشف فيه أصالة وجود الله، وشمول إحاطة الله.
في هذا الدعاء تجد حقيقة حضور الله في كل طبقة طبقة من حياة الانسان، وتحس حلاوة حضور الله مع الإنسان، وتجلي حضور الله في قلب الإنسان، وانعكاسات قرب الله من الإنسان.
هذا الدعاء يفسر ويترجم الآية الشريفة: "اله الناس" بطريقة بارزة ومفصلة، وتشرح لنا جوانبها وانعكاساتها الفكرية والروحية والاجتماعية والفردية.
تم ذكر حوالي 1000 اسم لله سبحانه وتعالى في هذا الدعاء ، وسأقدم بعض الطاقات الفكرية الهامة المتأصلة في هذا الدعاء بمناسبة ليالي القدر - التي نحن فيها - إن شاء الله.
١. رب الأناس المنسيين والمهمشين والساقطين
في الظروف الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، هناك أناس كثيرون ليست لديهم تسهيلات ولا مساحات لإقامة علاقات مع الآخرين، هؤلاء هم الذين وصفهم الامام علي (ع) بمن "صغرته النفوس واقتحمته العيون"، وهم الذين أصبحوا منسيين وظلوا يعانون من التهميش ويعانون من الحزن والمعاناة.
إن واحدة من خصائص دعاء الجوشن الكبير، هي أنه انعكس في العديد من فصولها، اتصال وارتباط الله بخلوة وخفايا هؤلاء الناس بنظرة رحيمة ومليئة بالمحبة، وبما هو فوق جميع القوالب الجافة التي صنعها البشر بناءً على تركيزه على الامتيازات والإمكانيات في بناء علاقاته مع بعضهم البعض.
أذكر بعض الجمل وترى فيها كيف أن الله مع آلام هؤلاء، ووحدتهم، وغربتهم، وفقرهم ...
يَا حَبِيبَ مَنْ لَاحَبِيبَ لَهُ ، يَا طَبِيبَ مَنْ لَاطَبِيبَ لَهُ ، يَا مُجِيبَ مَنْ لَامُجِيبَ لَهُ ، يَا شَفِيقَ مَنْ لَاشَفِيقَ لَهُ ، يَا رَفِيقَ مَنْ لَارَفِيقَ لَهُ ، يَا مُغِيثَ مَنْ لَامُغِيثَ لَهُ ، يَا دَلِيلَ مَنْ لَادَلِيلَ لَهُ ، يَا أَنِيسَ مَنْ لَاأَنِيسَ لَهُ ، يَا راحِمَ مَنْ لَاراحِمَ لَهُ ، يَا صاحِبَ مَنْ لَاصاحِبَ لَهُ.
يَا عِمادَ مَنْ لَاعِمادَ لَهُ ، يَا سَنَدَ مَنْ لَاسَنَدَ لَهُ ، يَا ذُخْرَ مَنْ لَا ذُخْرَ لَهُ ، يَا حِرْزَ مَنْ لَاحِرْزَ لَهُ ، يَا غِياثَ مَنْ لَاغِياثَ لَهُ ، يَا فَخْرَ مَنْ لَافَخْرَ لَهُ ،يَا عِزَّ مَنْ لَاعِزَّ لَهُ ، يَا مُعِينَ مَنْ لَامُعِينَ لَهُ ، يَا أَنِيسَ مَنْ لَاأَنِيسَ لَهُ ، يَا أَمانَ مَنْ لَاأَمانَ لَهُ.
♦️دعاء يترجم لنا إله الناس (٢)
٢. أثر دعاء الجوشن في إزالة او تضعيف عاملين أساسيين لسوء الظن بالله سبحانه
السؤال هو لماذا ليس لبعض الناس حسن الظن بالله كما ينبغي أن يكون؟ مع انه مصدر الرحمة والمحبة؟ فيتصورون أن الظروف التي قد تحدث لهم لا تتضمن صلاحهم وسعادتهم، فهناك نوع من القلق في قلوبهم عند حدوث بعض القضايا او تصور حدوثها، مما يجعلهم أن يقولوا: لا سمح الله، لا قدر الله، وقد يكررونه بوجودهم.
ما سبب هذه المشكلة لجملة كثيرة منا، رغم أننا نعبد الله ونحبه؟
الجواب هناك مشاكل يجب أن نتعرف عليها ونحلها، اذكر هنا بمناسبة هذا الدعاء مشكلتين اساسيتين منها فقط:
الأولى: أننا تعودنا على ان ننظر الى كل من الصفات الإلهية على حدة ونفحصها ونحللها برؤية ذهنية محدودة.
في هذا السياق، عندما يتم ذكر إحدى صفات الله، فإن الإنسان بسبب العديد من أوجه القصور الموجودة في عقليته المفاهيمية والتصورية، قد يميل - دون وعي - إلى النظر في الحدود المفاهيمية لهذه الصفة، وبالتالي، يتصور الحدود - نعوذ بالله - لله سبحانه وتعالى، مما يسبب - نعوذ بالله - الوقوع في سوء الظن بساحته.
فالعقل البشري - مثلا - يخطئ عندما يتصور الحدود (ولو بشكل لا شعوري) للعدالة الإلهية أو الرحمة الالهية أو الإرادة الإلهية او الصبر الإلهي و...، فالله ليست له الحدود، سواء نتصور الحدود له بشكل شعوري أو بشكل غير لا شعوري.
فله الصفات ولكن بلا حدود، ونحن عاجزون عن إدراك الصفات اللاحدودية، لأن أذهاننا تعمل عبر آلية المفاهيم وهي تنطلق من الحدود وتعكس الحدود.
دعاء الجوشن الكبير يملي علينا طريقا يمكن حل هذه المشكلة به، وهو انه يعرض صفات الله والأسماء الإلهية بشكل متراكم وضخم ويعكسها لحظة بلحظة،
فيساعد هذا العرض المجموعي للصفات الإنسان على تركيز عقله على جوهر الصفات وإهمال ما يتصور من حدود مفاهيمية لها.
الثانية: اننا وضعنا أنفسنا في بعد عن الله مع أنه أقرب الينا من حبل الوريد، فحُرمنا عن حسن الظن بالله سبحانه، حيث ان سوء الظن وليد حالة الابتعاد والنظر من البعد، وهذه المشكلة يحلها هذا الدعاء؛ حيث إن الله الذي يصفه دعاء الجوشن الكبير موجود في كل لحظات حياتنا وحاضر في كل ظواهرها وظروفها ومشاهدها ومزاياها وشكواها وصراخها وحركتها ورزقها وهمومها وسرورها ونعماتها ومصائبها ومصاعبها وأنينها وحبها وأمانيها و...
لذلك، فإن هذا الدعاء فرصة لمضاعفة وتعزيز حسن الظن بالله سبحانه.
♦️مؤشرات ثلاث للفقه الفعال المعاصر
[الكلمة الملقاة في الندوة الافتراضية المنعقدة من قبل مركز المسارات التونسي تحت عنوان: التدين بين المقاربتين: الفقهية والروحية]
🔸️المقصود من المؤشر:
إن مؤشرات كل موضوع، هي تلك السمات التي إذا حصلت، نعرف أن هذا الموضوع قد تحقق، وإذا لم تحصل، نعلم أن ذلك الموضوع لم يتحقق.
🔸️ هناك ثلاث مؤشرات رئيسية للفقه الفعال المعاصر، وهي كما يلي:
🔹️المؤشرة الاولى: الحفاظ على سمات الدين:
من الواضح أن للدين سمات تنبع وتنبثق من جوهره. هذه السمات هي علامات قوية للدين وملتصقة به لا يمكن إنكارها ولا فصلها عنه. فإذا ظهر الدين بهذه الصفات، فهو دين الله الحقيقي، وإذا ظهر شيء بدون هذه الصفات، فهو عمل البشر احتل محل الدين، وإن يحمل اسم الدين.
وهذه الصفات عديدة؛ مثل الحالة التناغمية للدين مع الفطرة، وإثارة الدين لدفائن العقول وتاليف الدين بين القلوب وبث الدين للخيرات المشتركة بين الاديان، وتتميم الدين للاخلاق وبُعد الدين عن حالة إيجاد الحرج والضرر والضيق في الحياة البشرية وما الى ذلك من الصفات الأخرى.
فقدان عملية فقهية مّا لهذه المؤشرة، يعني أنه لا تحرس نتائجُها خصائصَ الدين، وسبب هذا الفقدان هو أن هذه العملية تفقد الحركة في المسار الصحيح، وتعاني من نقص كبير في منهجيتها.
▪لماذا هذه مؤشرة؟
من الواضح أن الفقه جزء من الدين، وبما انه ليس من المنطقي أن يكون الفرع لا يناسب أصله، فنفهم انه ليس فقط ان الفقه يجب أن لا يعارض الدين ككل في هويته واداءه، بل لا بد أن يعمل عمله ويلعب دوره في تحقيق هذا الكل.
انطلاقا من ذلك، يجب أن يكون هذا الفقه (كجزء من الدين) حاميا لصفات الدين، وعاملا لبلورة هذه الصفات، وإلا - كما قلنا- لا يعد جزءًا منه.
▪النتيجة:
أ) ان من مؤشرات الفقه الفعال المعاصر (المنبثق من الشريعة) أنه يحفظ الدين وصفاته.
ب) ان عدم حفاظ الفقه على سمات الدين هو أن كانت الاستنباطات تسير في اتجاه تجعل الدين يفقد خصائصه.
ج) إذا اتضح أن عملية استنباطية فقهية، كانت نتائجها ونواتجها والأفكار التي تطرحها وتخلقها ، ليست حارسة لجوهر الدين ولا محافظة لخصائصه، فيعلم أنها ليس لها مسار صحيح، ولا منهجية دقيقة، بل هناك خلل واضطراب في حركتها ومنطلقاتها ومنهجيتها.
د) إن افناء خصائص شيء هو إفناء جوهره الذي تعود هذه الخصائص اليه.
هـ) إن المستنبطين الذين يؤدي فقههم إلى تضعيف الأخلاق أو إلى خلق الانقسام أو الى نشر الاختلافات العرقية والمذهبية، او الى هروب الناس من القيم الدينية، لا الدين الذي تم تصوره وتبنيه من قبل هؤلاء المستنبطين، هو ذلك الدين القيم، ولا هذا الفقه الذي يبتكرونه، هو فقه ذلك الدين القيم.
🔹️المؤشرة الثانية: تبني كون الاصل هو الحلال وليس هو الحرام.
الفقه الفعل الصحيح هو الذي يفتح المجال للحلال أكثر لأن الأصل هو الحلال.
أما إذا أتى الفقه وزاد في قائمة الحرام، ووضع قيودًا على أقدام الحياة والبشر في كل مكان ومجال ولن يسمح بالتحرك للحياة ولا للانسان، فهذا، ليس ذلك الفقه الذي بناه القرآن وأسسته السنة.
▪ الشريعة لديها المحرمات:
كون الأصل هو الحلال، لا يعني أن الشريعة ليست لديها المحرمات. بالتأكيد، أي شريعة ، بما في ذلك الشريعة الإسلامية ، منعت عن أشياء، فلا شك أن هناك قائمة من المحرمات أعطتها شريعة الإسلام، كما لا شك أن هذه القائمة جدية وأساسية وأن الاسلام أكد عليها، فلا يمكن اهمالها ولا ضياعها ولا تصغيرها؛ ذلك انطلاقا من أنه ليس من المعقول أن تترك الشريعة التصرفات والسلوكيات الى حالها ولا تعطي لها حدودا.
ما هو محل النقاش هو هل أن الحلال هو الأصل والحرام هو الاستثناء؟ أم الحرام هو الأصل والحلال هو الاستثناء؟
ببيان آخر، البحث والنقاش حول هذا السؤال: هل الإسلام يأمر الإنسان بالمضي قدمًا نحو العيش والعمل والتحرك والتقدم والتبسم والترويح والزينة والجمال والتواصل مع مظاهر الحياة الجديدة، و... ولكن مع استثناءات تنبثق من منطق معقول وصحيح ومعياري؟
أو أن الإسلام يقول: "أيها الانسان، لا تتحرك! لا تنظر! لا تقيم العلاقة مع مظاهر الحياة! لا تذهب إلى هنا والى هناك! دخولك في الشوارع ممنوع، حديثك مع هؤلاء وهؤلاء ممنوع، احساسك بالجمال ممنوع، الإكثار من السرور ممنوع، بل أصل امتلاكك للاحساس ممنوع ... ولكن مع استثناء بعض الحالات فهي لك حلال فقط؟
ما هو المسار الرئيسي للشريعة ذاك أو هذا؟
بالطبع ، الأول هو الصحيح ، وهناك العديد من الدلائل على ذلك. لا أريد الخوض في بيان هذه الدلائل، بل أشير فقط إلى أن القرآن وجه اللوم إلى قضية تحريم الطيبات.
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ).
وهذا لا يعني أنه لا إشكالية في جعل المحرم حلالا ، فإنه ذنب كبير، ولكن التركيز على تح