♻️ نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية (1)
مقدمة
في جلسة علمية رائدة نظّمتها جامعة المصطفى/ فرع لبنان، قدّمت بحثاً بعنوان "مناشئ الحق في الفقه الإسلامي"، هذا البحث بحاجة ماسّة لعرض مكتوب متيسّر، لتسليط الضوء بوضوح فائق على دواوينه وأفقه.
ومن هنا، أضع بين يدي القارئ الكريم عرضاً لذلك البحث ولكن تحت عنوان "نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية".
تبرز أهميّة هذه النظرية، في أنها تعطي لنا رؤية شاملة لتدرّجات ومراحل الحق في ديننا الحنيف، مما يمكننا من استخلاص خطوط توجيهية واضحة لاستنباط الحق الفقهي من معينات الشريعة بدقّة وفعالية.
إن الحوار الذي يلتفُّ حول مناشئ الحقّ ومراحل تشكّله وتكوُّنه، وكذلك تفصيل حالاته وتحديده في منظومة الشريعة الإسلامية، يمثِّل موضوعاً شغفاً، لم يحظَ بالاهتمام المنشود كما ينبغي، حقيقةً تزيد من أهميَّته، فهو نقاش يتعين استكشافه ودراسته بروح التفات والتعمُّق الفكري.
ببيان آخر، إنّ النقاش الذي يعتري جوانب منشأ الحق ومسلكات تكوُّنه وتشكُّله، إضافة إلى تفصيل حالات الحقوق ومدى وفرتها في أروقة الشريعة الإسلامية، يعدّ محطة إشكالية تنتظر الاستكشاف الجاد والتأمّل العميق.
إنَّ ما أقدِّمه هنا يمثِّل محاولة نحو التفكير والتأمُّل في مسارات التناظر والاستنباط في هذا المجال الحيوي، فهو مسعًى يسعى إلى فتح الأفق ورفع راية الفهم العميق لعالم الحق ومظاهره في الشريعة الإسلامية.
في هذه المقدمة وقبل أن نغوص في أعماق البحث، تجدر الإشارة إلى حديث عن الإمام السجاد (ع)، حتى يتبيّن لنا أن الحقّ ليس مجرد واقع معزول عن سراديب الشريعة، بل يتجسّد كروحٍ لها، ينعكس في أبهى صورها وأرقى معانيها.
والحديث هذا:
روي أنّه جاء شخصٌ إلى الإمام طلب منه الإرشاد والتبصر في تفسير الشريعة الإسلامية.
أجابه الامام:
«قَوْلُ الحَقّ وَ الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ وَ الْوفاءُ بِالعَهْدِ»
فشريعة الإسلام تنسجم في جميع زواياها ومفاصلها حول هذه القيم الثلاث. لتعلو بريق الحق وتنبض نبضات العدل وتتجلى مفاهيم العهد في سماء المجتمع، مُلمحاً لعمق الترابط بينها وبين حياة الإنسان وسلامته.
♻️ نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية (2)
إذا تأمّلنا عمق الزمان وتنوّعه، نجد أنّ البحث عن الحق والتمحيص في جوانبه المختلفة يعدّ من أبرز الركائز التي يجب أن نسعى لفهمها في عالمنا المعاصر. فالحقُّ ليس مجرّد كلمة تردد في الأفواه، بل هو جوهر العدل والإنصاف بل الحياة برمتها، الذي ينبغي أن يتجسّد في كل فعل وقرار وسياسة وحركة.
في إطار هذا البحث المتجدّد والمستمر عن الحقّ، تبرز أهمية البحث والتفكير حول الحق في الشريعة الإسلامية، حيث يكمن بين طيّاتها كنزٌ من القيم والمبادئ التي تعزز كرامة الإنسان وترعى حقوقه.
ومع هذا الاعتراف بأهمية وأصالة الشريعة الإسلامية، نجد نقصاً في الجهود الفقهية والممارسات الاجتهادية الحالية في تفسير وتفصيل حقوق الإنسان. ببيان آخر، يظهر بوضوح فاقد فقهي وجدلي في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، مما يستوجب بحثاً جادّاً وتفرغاً لاستشراف مفاهيمها أو على الأقلّ تبنّي منهجيّة متناسبة لفهمها واستكشافها.
ينبغي على الفقهاء أن يولوا هذا الموضوع اهتماماً كبيرًا، سواء من خلال البحث والتحليل أو عبر استيعاب منهجية مناسبة فقهية تسهم في فهم تلك الحقوق وتأصيلها.
هذا الذي نعرضه هنا هو "نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية"، تبرز أهمية هذه النظرية، في أنها تعطي لنا رؤية شاملة لتدرجات ومراحل الحق في الإسلام، مما يمكننا من استخلاص خطوط توجيهية واضحة لاستنباط الحق الفقهي من مصادر الشريعة بدقّة وفاعلية.
نحن بحاجة إلى الإرادة والعزيمة لاستكشاف هذا المسار وتوجيه خطواتنا نحو فهم أعمق وتطبيق أفضل للحقوق الإنسانية في ضوء الشريعة الإسلامية، لنرسم معاً مسارًا مبنيًّا على العدل والإنصاف والتفاهم الشامل.
وكما هو معلوم، سنواصل مشوار البحث والنقاش في هذا السياق في عدة من المنشورات، إن شاء الله. نأمل أن يصل هذا الحديث إليكم وترونه مفيدا
هدایت شده از موسوی
درس خارج اصول استاد مبلغی ۱۵.mp3
20.76M
هدایت شده از موسوی
درس خارج اصول استاد مبلغی ۱۶.mp3
21.06M
هدایت شده از موسوی
درس خارج اصول استاد مبلغی ۱۷.mp3
23.26M
📌درس خارج اصول فقه
(بر مبنای مکتب فقاهتی امام خمینی)
#امارات
#قطع
#صوت
🎤آیت الله احمد #مبلغی
جلسه ۱۷
دوشنبه ۲۹ آبان ١٤٠٢
#کاشفیت_قطع از منظر علامه طباطبایی
#مکتب_فقاهتی_امام_خمینی
♻️ نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية (3)
[هذه نظرية جديدة تعرض رؤية لفهم الحق وتفسيره وتبريره من منظور إسلامي، مما يجعلني أدعو الباحثين إلى التفكير فيها وإلى البحث عنها بعمق، ربما تفتح أبوابًا جديدة في مفهوم الحق في الإسلام].
يُمكن تصنيف الحقّ من منظور الدين إلى ثلاث طبقات ومراحل رئيسية:
- الحق التكويني.
- الحق التشريعي الطبيعي.
- الحق التشريعي التفصيلي.
هناك وضوح في تتبع ترتيب هذه الطبقات، حيث ينطلق الحق التكويني في المقام الأول، يليه الحق التشريعي الطبيعي، ثم يأتي الحق التشريعي التفصيلي ليُكمل المسار.
يهدف هذا التصنيف إلى أن يلهم فهمًا أعمق للتقدم التدريجي للحق وفقًا للرؤى الدينية والحكمة الكامنة وراءها.
هذا التصنيف ليس مجرد تصنيف فقط، بل هو رؤية تمهّد لفهم أعمق لمفهوم الحقوق وتطورها. إنه يسلط الضوء على التدرّج الطبيعي في الظهور والتطوّر والترتيب الذي يمكن من خلاله فهم الحقوق وتفسيرها بشكل أشمل وأعمق.
هذا التصنيف يعكس تطور الحقوق من منظور ديني، حيث ينبع الحق التكويني كأولى طبقات الحقوق، مستندًا إلى حكمة الله في أفعاله، والتي تحتوي على الرعاية والاهتمام بمصلحة البشر، عبر التركيز البارز على عنصر الحقّ.
وهذا الحق التكويني، بتطوّره، ينبثق منه الحق الطبيعي للبشر، بعد أن كان مجرد حكمة تابعة لفعل الله.
وهذا الحق الطبيعي بعد انبثاقه من الحق التكويني له قابليات كثيرة للحركة والتدفق، والأصالة، والمضمون، بحيث تقوم عليه الشريعة في تشريع الحقوق، فهو الأصل والمصدر الرئيسي لعمليات التشريع، من خلال هذا الحق الطبيعي، ينبثق ويتدفق الكثير من الحقوق ، ويقوم الشرع بتفصيلها وتحديدها بما يتلاءم مع الحياة الإنسانية والظروف الخاصة بكل عصر ومكان.
فدور الشريعة يمتد ليحتضن الحق التكويني كأساس أصيل وجذر للحقوق. يقوم الشرع بالنظر إلى الحق التكويني بوصفه حكمة الله وراء أفعاله، والتي ينطلق منها الحق الطبيعي، وهو بدوره يعمل بمثابة الأساس الذي يتم بناء الحقوق التفصيلية عليه.
تتابع الدراسة في المنشور القادم إن شاء الله
نظرية هرمية الحق في الشريعة الإسلامية (4)
[هذا البحث، الذي تقدم من حين لآخر أجزاء ومنشورات منه، يهدف أساساً إلى شرح الحقوق الثلاثة التي سبق ذكرها (أي: الحق التكويني والحق الطبيعي التشريعي والحق التشريعي التنظيمي).
في هذا المنشور، سأقدم السياق الذي أدى فيه ظهور هذه الحقوق وتسميتها بهذه الأسماء، مما سيساعد في توضيح الهدف والمنطلق الذي أدى إلى ذكر هذه الحقوق. وفي المنشور القادم، سأقدم أمثلة قرآنية لتطبيق وتأكيد المنهج الذي اقترحته، الأمر الذي سيُلقي الضوء على أهمية هذه الحقوق وترتيبها.
من يرغب في فهم هذه النظرية عليه أن يتابع المنشورات المتعلقة بها بترتيبها الزمني، حتى يتمكن من استيعاب محتوى النظرية بشكل كامل].
وجوه التسميات:
وفقًا لهذه النظرية، يعتبر الحق التكويني والحق الطبيعي التشريعي والحق التشريعي التنظيمي ثلاث مراحل حقيقية في نشأة وتطور الحق من منظور الإسلام. ومع ذلك، نظرًا لعدم قدرتنا على تحديد نطاقها وتفسيرها بدقة دون تسميتها، نحتاج إلى إيجاد أسماء مناسبة لها.
وبما أن هذه المراحل لم تحمل أسماءً محددة من قبل بسبب كونها نظرية جديدة، اخترنا تسمياتٍ لتلك المراحل.
فيما يلي تفسير لسبب اختيار هذه الأسماء وتوافقها مع المفهوم الذي نرغب في تحقيقه وتوضيحه.
▪︎ وجه تسمية الحق التكويني:
يعبر عن تركيبة الكلمتين: "الحق" و "التكويني". لماذا نسميه "بالحق" على الرغم من أنه يمثل هدفًا لعملية التكوين وغرضًا للفعل الإلهي؟ الجواب يكمن في أن هذه التسمية تعكس الفكرة بأن الحكمة الإلهية، على الرغم من عدم تمثيلها لحقوق الإنسان بشكل مباشر، إلا أنها نتاجٌ لهذه الحكمة، أي أن جذورها تنبثق من حكمة تكوينية إلهية. وإذا كانت هذه الحكمة هي مبدأ وبداية الحق، فتسميته "بالحق" مناسبة لتوضيح كيفية انطلاق وتشكل الحق من الحكمة، وهو ما يظهر في المرحلتين التاليتين.
ولماذا تم اختيار "التكويني"؟ يُسمى بالتكويني لأنه يمثل هدفًا تكوينياً لله وليس هدفاً اعتباريا بشريًا، هو هدف لفعل الله الذي خلق هذا العالم. ومن هذه الزاوية، تم تسميته "بالحق التكويني" ليتميز عن غيره من الحقين الطبيعي التشريعي .
▪︎وجه تسمية الحق الطبيعي التشريعي:
يُسَمَّى الحق الطبيعي التشريعي بهذا الاسم لأنه حق ثابت وحقيقي كحق الحياة وحق الصحة و... ويتم تسميته "الطبيعي" لأنه ينبع من طبيعة الإنسان وطبيعة العالم، التي هي من صنع الله تعالى. ونظراً لأن الله تعالى حكيم وعادل، فالحكمة التي خلق بها العالم والإنسان تشمل العدل والمصلحة، ومن ثم، الحقوق التي تنبع من هذه الحكمة هي حقوق عادلة وصالحة.
ويُسَمَّى "التشريعي" لأنه يُلاحظ ويُراعى في التشريع الإسلامي، حيث يُعتبر أساساً للتشريعات التفصيلية.
▪︎وجه تسمية الحق التشريعي التفصيلي:
في هذه المرحلة، يقوم التشريع الإسلامي بتفصيل الحقوق التي لاحظها واعتبرها وتبناها في المرحلة السابقة، والتي سُميت "الحقوق الطبيعية".
وهذه التفاصيل تجسد وتؤطر تلك الحقوق، ليتسنى تنفيذها وتحقيقها وتنظيمها في المجتمع، بصورة لا يتم فيه التصادم وتعارض الحقوق. ولذلك، هذه المرحلة مهمة للغاية.
كما ترون، هذه النظرية تبدأ من الحكمة الإلهية التي تقف وراء هذا الخلق العظيم، والذي يتضمن الإنسان والعالم. ومن الحكمة انبثقت تلك الحقوق، والتي جاءت في الشريعة الإسلامية، ونظمت وسجلت ورتبت وفصلت.
تتابع الدراسة في المنشور القادم إن شاء الله
.
.
💠 تجلي الله ميلاد جديد للإنسان والإنسانية
في لحظات الظلام، كان العالم يعيش في تباين لوني، حيث كانت الظلمة تلتف حول العلاقات وتخنق الحياة بأبعادها الباهتة. كانت الأوقات تعيش في جمود، والعقول تعصف بالتساؤلات الملتبسة، حتى جاء تجلي النهار؛
"والنهار إذا تجلى"
وبعدما انكفأت الظلمة أمام شعاع الوعي، أزهرت الحياة بألوان متنوعة وتفاعلات مدهشة. فجر الإنسان يتسامى في تجلي النهار، حيث يتسع الأفق لاستيعاب أفكار الإنسان وتطلعاته وعلاقاته ونشاطاته.
بجانب أنوار نهار الطبيعة التي تبدد ظلمة الليل، هناك أنوار أخرى، أعمق وأعظم، تتجلى في قلب الإنسان، فينبثق منها فجر الإنسانية. هو يمثل قفزة نوعية في مسار حياتنا. هو الضوء الذي يحول الإنسان إلى رائد يبني مستقبلًا متطورًا يتسم بالتضافر والتطور المستدام. في هذا السياق، يتحول الإنسان إلى صانع مستقبله، يستشرف أفقًا واسعًا مليئًا بالتحديات والفرص.
هذا التجلي هو تجلي الله في قلب الإنسان، عند هذا التجلى، ينبثق السلم الداخلي الذي ينير أيامه ببسمة الرضا ويوجهه في رحلة سليمة نحو التطوير الروحي.
. تجلي الله يعيد تعريف معنى الحياة، حيث يمنح القلب السكينة والأمان، ويملأ الروح بحب يتجلى في سعادة الإنسان ورغبته المتواصلة في بناء جسور التواصل والتفاعل.
. تجلي الله في قلب الإنسان هو ميلاد جديد، ميلاد روح تسمو فوق الماديات، ميلاد قلب ينبض بالسلام والإيمان.، في هذا الميلاد الجديد، ينبثق السلم الداخلي الذي يقود الإنسان إلى السعادة والرضا.
. تجلي الله هو شعاع نور يشرق في روح الإنسان، شعاع يملأ القلب بالحب والأمل.
. في هذا الشعاع، تجد الروح السكينة والأمان، وتشعر بالانتماء إلى الكون.
. في رحاب تجلي الله، تجد كل تفاصيل الكون مليئة بالجمال والإلهام.
💥 استشرافات تتولَّد في محراب الخلوة
الخلوة مع الذات لا تُعتبر عزلة، هي رحلة مميزة إلى أعماق النفس وجوهرها، وإلى أسرارها وطاقاتها، هي غوص في بحر الأفكار والعواطف، وسرد قصة تصاحبنا في هذا الرحيق الصامت.
إنها تجربة "تعرف جديد للذات"، اكتشاف للجوانب الخفية والقدرات الكامنة في دواخلنا، هي تعبئة الروح وإعادة ترتيب الأفكار، وإدراك توجهاتنا وأهدافنا بوضوح أكبر.
إنها حوار داخلي مع الذات، تحت ضوء هادئ، يُشعل الشغف والحماس من جديد. هي فرصة للابتعاد عن صخب الحياة اليومية، وبناء أفضل لنمونا وتطوّرنا.
الخلوة مع النفس تُعيد شاكلتنا، وتصقل إنسانيتنا وتبرز جمال فطرتنا وتمكننا من التأثير الإيجابي في مجتمعنا.
. هي لحظات الصمت الذهبيّ،
. هي منح العقل فرصة لإعادة ترتيب أفكاره، وتنشيط إبداعه،
. هي إيقاف الزمن لحظات قليلة يعيش فيها الفرد وقتًا يختاره بكل حرية وبلا قيود،
. هي وقت مختار لتحديث الروح،
. هي السعى لفهم أعمق للذات ومن ثم التأثير بشكل أكبر في المجتمع.
وكما يقول الشاعر الإيراني:
موج اگر گاهی به ساحل می کشاند خویش را / می کشد دامن که دریا را در آغوش آورد
(إذا سحب الموج نفسه إلى الشاطئ أحيانًا / فهو يمد ذيله ليستقبل ويحتضن البحر)
فالموج إذا انسحب إلى الشاطئ أحياناً، ليس ليرتاح بعيداً عن البحر، بل ليمتزج بأعماقه مجدداً، فانسحابه لا يعد نهايةً له، بل هو بداية لعودته بقوة مجددة إلى البحر.
وهكذا، يشبه الشاعر تلك اللحظات التي ينغمس فيها الإنسان في خلوته الداخلية، حيث يعدُّ نفسه للعودة إلى العالم بروح محمومة وقلب مليء بالحياة.
فعلى غرار الموج وعشقه الدائم للبحر، يسعى الإنسان إلى الانغماس في لحظات الخلوة ليعيش داخلها ويستعيد توازنه وروحه. لا ينفصل هذا الشخص عن المجتمع كالموج وعلاقته بالبحر، بل يختار الاندماج العميق مع ذاته ليستعيد قوته وتأثيره الإيجابي.
فالذهاب إلى شاطئ الخلوة مع النفس ليس هروباً من العالم الخارجي، بل هو استجلاب قوة إضافية وتأثير أعمق يعود بها ليكون أكثر حضوراً وإيجابية، كما الموج الذي يبسط ذيله ليعود ليحتضن البحر بكل قوة وعزم.
💥 تلتقي ملامح أحلامنا بأمواج الأمس
عندما نتأمل في ذاكرتنا، نجد أنفسنا على شاطئ زمني مترامي الأطراف، حيث تلتقي ملامح أحلامنا بأمواج الأمس.
تخيم الذكريات كأطياف تأبى الاندماج، تحمل قصصاً تتنوع بين نغمات الفرح والحنين. وكما يتداخل اللون بالرائحة، تتداخل مشاعرنا بأحداث الزمن. فاللحظات اللطيفة تتسلل إلى قلوبنا كأمطار خريفية تروي عبق الأمل.
ما أروعها من مرآة للزمن الجميل! هي مرآة شفافة، تعكس لنا ملامح الماضي بكل تفاصيله. هي نافذة تفتح على صور جميلة، تسكن أعماقنا وتظل عالقة في قلوبنا مهما مرت السنون.
لا تخزن الذاكرة فقط الأحداث والمواقف، بل تخزن أيضًا المشاعر والأحاسيس. لذلك، عندما نتذكر لحظات جميلة من الماضي، فإننا نشعر بنفس المشاعر التي شعرنا بها حينها.
وعندما نرتبط بالآخرين في خيوط الذكريات، يصير الزمن خيمة نحتمي فيها من عواصف الحياة.
فالذكريات:
تأخذنا في رحلة بين لحظات السعادة الزاهية وأوجاع اللحظات الغامضة.
هي خيوط ذهبية تخترق قلوبنا، تربطنا بأواصر لا تنقطع.
هي تتألق في دهاليز الزمن كشمس الغروب، تلون سماء الحاضر بألوان الأمس.
هي رفيقة الروح في رحلة تعلمنا وتجاربنا، تصقل هويتنا كالماسة النادرة.
هي تنهمر كأمطار الربيع، تروي أرض القلوب العطشى.
هي أزهار الذاكرة تنمو في حقول العلاقات، تعبر عن تبادل الحنان والتضامن.
الذكريات هي أجمل ما في المشاعر الإنسانية، فهي تصاحبها الشفقة والحنان.
عندما نتذكر لحظة جميلة من الماضي، فإننا نشعر بالسعادة والفرح، وكأن تلك اللحظة تعيد لنا الحياة مرة أخرى.
هي تترك آثارًا حلوة في قلوبنا ونفوسنا.
هي التي تجعلنا نشعر بالعواطف الإنسانية الأصيلة.
الذكريات تلين القلوب وتوجه عزم الإنسان نحو القرارات السعيدة والمسارات الجميلة.
♻️ المراحل الأربع في رحلة الذكريات من منظور القرآن
في رحلة الذكريات، يتجلى الجمال الانساني في تبلور أربع مراحل، وهذا مما يمكن استفادته من القرآن الكريم :
✅ المرحلة الأولى: استحضار الماضي
في أغوار الذكريات، يسافر الإنسان عبر الزمن، يستحضر لحظات حياته بألوانها وأبعادها. ينغمس في مرحلة تذكر الذكريات، حيث يتأمل بعمق في ماضيه، ويسترجع تجاربه وعلاقاته، ويشعر بالعواطف التي رافقت تلك اللحظات.
وهذا يستفاد من الآبات التالية:
"ألم يجدك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالًا فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى".
✅ المرحلة الثانية: استنباط نور رحمة الله
في هذه المرحلة، ينظر الإنسان إلى ذكرياته من منظور إيماني، ويستنبط منها نور رحمة الله. يتذكر كيف أن الله كان معه في كل لحظات حياته، وكيف أن رعايته وعنايته كانت سببًا في نجاحه وتحقيق أهدافه.
وهذا كذلك يستفاد من تلك الآيات:
"ألم يجدك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالًا فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى".
وقد امتزجت الذكريات بالتوجه الى الله فهو الذي يجعل ويصنع الأحداث للانسان، ويخلق الذكربات.
✅ المرحلة الثالثة: اتخاذ قرار العمل
بناءً على فهمه للذكريات، يشرع الإنسان في بناء أفق إيجابي، ويتخذ قرار العمل من تلك اللحظات البارزة بشأن مستقبله. قد يقرر أن يكرّر تجاربه الجميلة، أو أن يمد يد المساعدة للآخرين، أو أن يسعى لتحقيق أهداف جديدة.
يعكس تفاعله الحكيم مع ما مر به، وقد يكون جسرًا لفهم الآخرين ومساعدتهم.
وهذا يستفاد من الآيات التالية:
"فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر".
✅ المرحلة الرابعة: مشاركة الذكريات وحكاية قصة نعم الله
على الإنسان أن يشارك ذكرياته مع الآخرين، ليبني جسورًا من الفهم والشكر. يتحدث بفخر عن نعم الله، ويروي قصصه وتجاربه ليلهم الآخرين.
وهذا مستفاد من الآية الكربمة:
"واما بنعمة ربك فحدث"
على الانسان في هذه المرحلة أن يتحدث بفخر عن النعم والهدايا التي سطعت في رحلته، في هذا السرد، ينبع الامتنان كنهرٍ يروي أرض القلب، حيث يتجلى جمال الربّ في طيات الحديث عن نعمه.
🔶️ انظر...
أنظر إلى هذه الآيات كما لو كانت حقولًا مليئة بأزهار ذكر الله ورحمته وفضله، حيث تنبت ببراعة في أرض الذكريات، سواء قبل تشكيلها أو خلال عناية الله بتوسيع مدى الماضي وتحويله إلى ممارسات اجتماعية وخدمات مجتمعية، أو عند سرد الحكايات الكلامية عن نعم الله. وهكذا، يتغذى المجتمع من خزائن الذكريات الشخصية، يحوّلها إلى رصيد غني بالحكمة والتوجيه الاجتماعي بعد أن تمر بطواحين التأمل.